12 سبتمبر 2025

تسجيل

تكامل الإنسان في القرآن الكريم (2)

19 يوليو 2014

إن غاية الإسلام هي السلام، فأحكامه من أوامر ونواه، وقواعده من أصول وفروع، ومنهاجه من تربية وتنشئة، تنتهي جميعاً إلى تحقيق سلام الإنسان، سلام الإنسان مع نفسه، ثم عائلته وجماعته الصغيرة، وموطنه وجماعته الأوسع نطاقاً، فالإنسانية قاطبة جماعته الكبرى، وأخيراً مع الكون الفسيح، الذي يعيش فيه ويتأثر به.فالقرآن (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)، (والله يدعو إلى دار السلام)، المسلمون المؤمنون (لهم دار السلام عند ربهم).وليس السلام بالمطلب الهين، فبواعث القلق والخوف والضيق، ودواعي التردد، بالارتياب والشك، تصاحب الإنسان منذ أن يولد حتى يوسد التراب، فهو يعجزه أمام الكون المترامي غير المتناهي، وجهلك سر ظواهره الواضحة.فكيف يحقق الإسلام للمسلمين السلام؟ إن الإسلام يقيم صرحه الشامخ بأحكام وأنظمة على العقيدة، فالعقيدة هي مستودع قوة الإنسان وسر أسرار الوجود الإنساني بأسره، منها البداية وإليها النهاية.وأولى مشكلات الإنسان التي حيرته وأرهقته وبددت قواه العقلية والروحية، هي مشكلة الخير والشر في الوجود، وقد تباينت مواقف المذاهب الإنسانية من هذه المشكلة. فعقائد ترى أن القوى المسيطرة على هذا الكون هي قوى الشر، وأن الخير عاجز أمامها لا قبل له بمواجهتها فضلاً عن التغلب عليها، فلا سبيل له إلا الاستسلام لها، أو ترضيتها ما استطاع.فالخير والشر إذن أمران مردهما تقدير الإنسان إياهما، فإذا اخطأ ولم يحسن التقدير كان الشر فيما ظنه خيراً، والخير فيما ظنه شراً فإذاً ما يحتاج إليه الإنسان، هو المعرفة السليمة والتقدير الحسن.فالله يبتلي الإنسان بالسلطان والثروة والنفوذ، وجمال الوجه، وحب الناس وكثرة العلم، إذ قد يكون له من وراء كل هذه الخيرات من شرور، وأذى كبير كما يبتليه بالضعف والمرض والجهل والفقر ويكون له من وراء ذلك خير كبير.في الأولى: قد يبطره الجاه والمال ويدخل في قلبه الغرور، ويضع عليه فرصاً ويجلب عليه كراهية الناس، فيفقد كل ما جمع.وفي الثانية: قد يدفع شعور الإنسان بجهله إلى طلب العلم، ويدفعه الفقر إلى التواضع وتآلف الناس وضبط النفس واحتمال مشقات الحياة.وفي القرآن آيات كثيرة، تذكر المسلمين بهذا القانون، وتعرضه في أكثر من صيغة قال تعالي: (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة) سورة فاطر: 44، وقال الله عز وجل (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق) غافر: 21، وقال تعالى (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) غافر: 81.