15 سبتمبر 2025
تسجيلالتطورات الجارية في العراق وتركيا تعكس اثارة غير مسبوقة في بلدين عرفا عبر تاريخهما القريب بمعاملتهما السيئة جدا للأقليات العرقية فيهما.علاقة الأكراد في العراق بالحكومة المركزية منذ الحرب العالمية الثانية كانت سلبية وعرفت توترات ومجازر وخصوصا بعد أن استلم القوميون العرب ممثلين بحزب البعث ووصلت ذروة السلبية في مجزرة حلبجة حيث قصف النظام في العراق الأكراد بالسلاح الكيماوي.وفي تركيا كانت سياسات أنقرة تجاه الأكراد منذ إعلان الجمهورية في العام 1923 نموذجا للممارسات العنصرية والدموية حيث أنكر العنصريون الأتراك حتى وجود هوية كردية ووصفوا الأكراد بأنهم "أتراك الجبال" ومحوا أسماء القرى وأحرقوها وهجروا أهلها.الوضع في العراق تغير ، وللمفارقة، بعد الاحتلال الأمريكي في العام 2003. بات للأكراد هوية معترف بها بل فدرالية تكاد تكون دولة مستقلة تتصرف بمعزل عن الحكومة المركزية في بغداد بل تبيع النفط مباشرة إلى الخارج عبر تركيا.غير أن المشهد الأكثر إثارة هو أن الأكراد الذين نالوا "دولتهم" خارج أي مشاركة أو تأثير لحكومة بغداد والمكونات الأخرى في العراق هم شركاء فيما تبقى من كيانات خارج إقليمهم وفق شعار"ما لنا لنا. وما لكم لنا ولكم". وهذا أمر غير مألوف وغير مستساغ في الصيغ الدولية للفدراليات. فغالبا ما تكون الصلاحيات الدفاعية والخارجية والمالية هي بيد الحكومة المركزية فيما هو في التطبيق العملي في العراق خلاف ذلك.يمسك الأكراد بتلابيب إقليمهم في شمال العراق. ومن بعد ذلك يمسكون بأعلى موقع في البلاد وهو رئيس الجمهورية وبأهم وزارة في الحكومة وهي وزارة الخارجية فضلا عن مواقع أخرى في نيابة رئاسة الحكومة والبرلمان وبعض الوزارات.بطبيعة الحال الكثير يرون في هذه الصيغة محاولة لبقاء العراق موحدا في نسيجه الاجتماعي والسياسي والجغرافي. لكن أحدا لا يطاله هذا الخداع حيث إن إقليم كردستان بات دولة فوق الدولة وبات هو المركز ويتحكم بالحدود والنفط وصوغ العلاقات والتحالفات الخارجية.في الجهة المقابلة لم تصل تركيا بعد إلى مرحلة الاستقرار فيما يتعلق بالقضية الكردية. فالسياسات الانكارية للهوية الكردية في تركيا لا تزال مستمرة. ورغم السياسات الانفتاحية لسلطة حزب العدالة والتنمية في سنواتها الأولى فإنها لم تنجح في بلوغ عتبة الحل للمشكلات الأساسية للأكراد ومنها الاعتراف بالهوية الكردية في الدستور والقوانين، والتعلم باللغة الأم في المدارس الرسمية، ومنح الحكم الذاتي للمناطق الكردية، واطلاق سراح المعتقلين وفي رأسهم زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان. وتحت ذريعة أن الجميع سواسية أمام القانون بمعزل عن أصله العرقي وحتى المذهبي يستمر تجاهل الحقوق الكردية.مع ذلك فإن تطورا مثيرا جديدا عرفه المشهد السياسي التركي وهو أن رئيس الجمهورية هذه المرة سوف ينتخب مباشرة من الشعب. إذ كان البرلمان في السابق هو الذي ينتخب رئيس البلاد.الانتخاب من الشعب ليس حدثا هامشيا أو تطورا بسيطا في النظام السياسي التركي. إذ أنه من جهة أخرج العملية الانتخابية من هيمنة مراكز القوى وتحكمها بالنواب ال 550، ومن جهة ثانية يفتح أمام تغيير في النظام السياسي حيث إن الرئيس المنتخب من الشعب لا يمكن أن يكون بصلاحيات محدودة وهو ما يطمح إلى تغييره مرشح حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان. لكن، من جهة ثالثة، فإن الانتخاب المباشر من جانب الشعب فتح المجال أمام مرشح ثالث، إضافة إلى أكمل الدين إحسان أوغلو، هو رئيس حزب الشعب والديموقراطية الكردي صلاح الدين ديميرطاش. أهمية ترشح ديميرطاش هو انه سيختبر مزاج الشارع التركي كما الكردي. لا أمل لديميرطاش بالنجاح. فالاستطلاعات تعطي سبعة وربما تصل إلى عشرة في المئة، مقابل 50 في المئة لأردوغان و 40 في المئة لإحسان أوغلو. لكن هذه النسبة لديمرطاش ستكون، إذا صدقت التوقعات، أيضا حاسمة في تحديد هوية المرشح الفائز في الدورة الثانية في حال لم يفز أحد من الدورة الأولى بخمسين في المئة.تجربتان متشابهتان في العراق وفي تركيا. الأكراد أقلية ولكنهم يتحكمون في لحظة صراع سياسية بمن يمكن أن يكون رئيسا للجمهورية. ما كان لذلك أن يكون في بلدان ديموقراطية بالفعل أو في بلدان ذات صيغة فدرالية فعلية. وهذا برأيي من عوامل عدم الاستقرار السياسي وربما غير السياسي في هذه البلدان.