13 سبتمبر 2025

تسجيل

نحو وقفة عاجلة للبحث في أمر تدهور التداولات

19 يونيو 2016

عندما يعاني مريض من انخفاض حاد في مستوى الدم بجسمه فإن الأمر يتطلب نقل دم خارجي له بشكل عاجل لإبقائه سليمًا، ولكن ذلك سيكون علاجًا مؤقتًا يدوم أثره لفترة مؤقتة قد تكون أسابيع أو شهورا. أما إذا كان نقص الدم ناتجا عن أنيميا حادة بسبب خلل ما في إنتاج كريات الدم، فإن الأمر يتطلب علاج الخلل حتى لا يظل المريض معتمدًا على جرعات دم خارجية بشكل مستمر. هذا ما نراه اليوم في أحوال بورصة قطر، حيث تعاني السوق من ضعف مستمر في السيولة تتجلى مظاهره واضحة في مستوى متدن لأحجام التداول، سواء مقارنة بما كانت عليه في السابق، أو مقارنتها بأسواق أخرى. وقد انخفض المعدل في الأسبوع الأخير إلى ما فوق نصف مليار ريال بقليل أو نحو 116 مليون ريال يوميًا، بعد أن كان قد سجل مستويات مرتفعة تزيد على 400 مليون ريال يوميًا لفترات طويلة في عام 2014. وفي حين لا بد من البحث عن أسباب الخلل المؤدية لذلك ومعالجتها، فإن تجاهل هذه الحقيقة والاكتفاء بضخ دم خارجي عن طريق إجراء بعض الصفقات الكبيرة من جانب المحافظ الأجنبية غالبًا، لن يؤدي إلا إلى ترسيخ الحال على ما هو عليه، وإبقائه معتمدًا على النقل الخارجي، باعتبار أن المعدلات ستستمر في التراجع فترة بعد أخرى. وهذا الأمر لا يتناسب مع شهرة قطر كثاني أكبر البورصات العربية، استنادا إلى حجم الرسملة الكلية، فهناك أسواق مالية أصغر منها في الحجم، ولكنها تفوقها كثيرًا في أحجام التداولات. وهنالك الكثير من الحلول لمعالجة هذه الأزمة التي باتت مقلقة، يقوم بعضها على تفعيل ما تم اعتماده سابقًا من آليات عمل تم إقرارها، دون أن تجد طريقها للتنفيذ العملي أو أن ذلك يتم في حدود ضيقة. ومن هذه الآليات آلية مزود السيولة، حيث تقوم شركة ما بالتعاقد مع بعض الشركات المدرجة لتنشيط تداول سهمها في السوق وفق ضوابط معينة. وقد وجدت هذه الآلية طريقها للتنفيذ ولكن بشكل محدود للغاية، مع أن نتائج التطبيق كانت ممتازة وواعدة. وهناك آلية التعامل بالهامش، وآلية الدخول السريع للسوق من جانب المؤسسات الخارجية، ولكن دون الحاجة إلى متطلبات روتينية تعطل الآلية قبل أن تبدأ. كما أن من بين الآليات التي تحتاج إلى تفعيل: نشاط إقراض واقتراض الأسهم الذي تم إقراره دون أن يرى النور بعد.وهناك آليات أخرى تبدو بسيطة وممكن اعتمادها لتسهيل التداولات، ومن ثم جذب المزيد من المتعاملين الذين حالت التعقيدات البيروقراطية دون دخولهم البورصة. ومن هذه الآليات إتاحة فرص "البيع على المكشوف" وهي آلية تمكن المستثمر من أن يتاجر ببيع أسهم لا يملكها ابتداء -إذا كان يرى أن الأسعار تتجه إلى الهبوط في فترة ما- فيكون له عدد من الأسهم المباعة، وعليه الشراء بعد ذلك بنفس الكمية لتغطية هذا المركز المفتوح. وبالتالي لا تنكمش أحجام التداول في أوقات انخفاض الأسعار، لأن هناك من يرى في الانخفاض فرصة ثمينة لتحقيق الأرباح.وكانت إدارة البورصة وهيئة قطر للأسواق المالية قد عولتا قبل عامين على ترفيع رتبة بورصة قطر إلى مصاف الأسواق الناشئة، ورأتا في ذلك سبيلًا لزيادة أحجام التداول عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية. ولكن هذا الأمر لم يتحقق على النحو المرجو، فهل صام الأجانب والمحافظ الأجنبية عن التداول مع القطريين؟ أم أن ذلك حدث بسبب التعقيدات التي يواجهها الأجانب في دخولهم للبورصة؟ وحتى بعد اجتيازهم العراقيل، فإن حصول المستثمر على أرباحه الموزعة سنويًا من الشركات التي يحمل أسهمها، يبدو صعبًا، مما يعجل بخروجهم لاحقًا، والأسهل أن يخرج المستثمر بأرباحه كما دخل برأسماله من قبل، أي عن طريق الوسيط.وسبل التطوير بعد ذلك كثيرة ومتعددة، ومنها إدخال منتجات جديدة إلى السوق، مثل وحدات الصناديق الاستثمارية، والعقارية، وإدراج شركات جديدة. وقد يتطلب إدراج الشركات الجديدة تغيير المناخ السائد في البورصة من قبيل تطوير آلية الاكتتاب، بحيث يتم ذلك بشكل مباشر عن طريق الوسيط دونما حاجة للذهاب إلى بنك معين وكل ما يصاحب ذلك من متطلبات، وأن يتم تحديد سعر الإدراج عن طريق آلية بناء السجل الإلكتروني للأوامر بدلًا من التحديد العشوائي لسعر السهم. ومن الضروري العمل على زيادة الثقة في أسهم الشركات المدرجة عن طريق إعادة النظر في الأسهم الخاملة لبعض الشركات التي تشهد تداولات ضئيلة للغاية سنويًا، فلا يكفي في هذا الحال إخراجها من تركيبة المؤشر العام عقابًا على ضعف تداولاتها. كما يجب أن يتم إصدار معايير جودة للشركات المدرجة، بما يضمن التزامها فعليا بمبادئ الحوكمة التي تم إقرارها على كل المستويات سواء من الهيئة أو وزارة الاقتصاد والتجارة أو مصرف قطر المركزي.