15 سبتمبر 2025
تسجيلفي البداية لا بد من التأكيد على أن عملية الخطف هذه عملية أمنية فتعقيداتها بالتالي قد تتجاوز المنظور والمتوقع، ولا يمكن الوثوق بأي معلومة تتعلق بها خاصة أن المصدر الوحيد لكل معلوماتها حتى الآن هو العدو نفسه ؛ فهو الذي أعلن عنها، وعن عدد المختفين، وعن أعمارهم وصورهم، وعن مكان العملية، وعن زمانها وتمويهاتها وتقنياتها، فالشك إذن يتجاوز بنسبتها لحماس إلى وجودها ذاته ولأي معلومة تتعلق بها.. وسيبقى ذلك هو منطق النظر لها حتى يتحرك مصدر آخر للمعلومات أفيثبت شيئا آخر.. وأقول: أما إن تحدثنا بلغة التوقعات والتحليلات فالمؤشرات تتساوى في افتراض صحة وجود العملية وصحة نسبتها لحماس بقدر ما تفترض نفيها وتؤشر على أنها مجرد فبركة يراد منها تحقيق جملة أهداف صهيونية يناسبها تماما التوقيت الذي تأتي فيه. ولننظر في سياق الحدث.. ففي المشهد الفلسطيني ثلاثة عناوين تنتظم كل الحراك الفلسطيني في مدى السنة القادمة، الأول هو المصالحة، والثاني هو الانتخابات، والثالث هو المقاومة.. المطلوب صهيونيا هو إفساد المصالحة، وتهديم البنية التحتية السياسية والإعلامية للمقاومة التي ورغم العسف والملاحقات الأمنية والمصادرة والمحاصرة أهلتها للفوز في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت مثلا بعشرين مقعدا مقابل ثلاثة وعشرين لفتح وأنصارها.. العملية تأتي أيضا في حين يخوض أسرى الاعتقال الإداري والمتضامنون معهم من ذوي المحكوميات إلى 350 أسيرا إضرابا مفتوحا عن الطعام، والعدد مرشح للزيادة ويتوقع أن يصل 1500 هذه القضية بدأت تحقق إنجازات على الصعيد الحقوقي والإعلامي والديبلوماسي.. السلطة حاولت منع وقفات التضامن مع الأسرى رغم زهادة أثرها وفشلت، والعدو والسلطة يخشيان أن تكون هذه المسألة في ظل حالة المصالحة المعززة للمقاومة الشرارة التي تطلق الانتفاضة الثالثة بالأخص إذا سقط فيها الشهداء.. عملية اختطاف المستوطنين هذه قد تكون لها أيضا أثرها السلبي على علاقات حماس الإقليمية وعلى قدرة أصدقائها على الدفاع عن علاقاتهم معها.. لهذا كله وجدنا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبذكاء بارع وأعصاب باردة تصرح بأنها ليست مستعدة للتعليق على الرواية الصهيونية حول هذه العملية، ووجدناها تقول في بيانها يوم الثلاثاء الماضي (17- 6) "إن رواية الاحتلال ذات دلالات وأهداف سياسية، وإن العدو يسعى من خلالها لتبرير عدوانه ضد الشعب ومصالحه". وفي المقابل إن كان ثمة عملية خطف قد حدثت بالفعل، وإن كانت حماس هي من قام بها ؛ فإنها ورغم ما سيكون ثمنها من أمن ومكتسبات سياسية لحماس قد صدرت رسالة قوية وصريحة وموضوعية لثلاث جهات.. الأولى للعدو الصهيوني وهي رسالة مواجهة بعزيمة واقتدار، لأن مجرد أن تتم العملية وأن يكون ذلك في الضفة المحتلة تلك المنطقة المحدودة والخاضعة لرقابة جوية وأرضية وتقنية وبشرية على مدار اللحظة وليس الساعة، ومن سلطتي الاحتلال وفتح، اللتين بينهما من التنسيق الأمني ما وصفه عباس بالمقدس.. إننا حينئذ نتحدث عن مقاومة تجاوزت الأسباب المادية، وحققت ما يشبه المعجزات، ببنية مقاومة تكاد تكون صفرا، فكيف والعدو يعتقل المئات وربما سيكونون آلافا وينشر مئات الآلاف من جنوده ليغطوا كل متر في محافظة الخليل ثم يعجز – حتى الآن على الأقل - عن الوصول لطرف خيط يوصل للمخطوفين.. هو إذن التحدي والتقنية العالية والقدرة البالغة والتخطيط الناجح، وهو التحكم والاختيار والإصرار على المقاومة وعلى تحرير الأسرى. والثانية رسالة طمأنة للأسرى وذويهم في وقت وصل فيه عدد المضربين عن الطعام من أسرى الاعتقال الإداري ومن انضم إليهم من محكومي المؤبدات 350 أسيرا، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد ليصل 1500، وفي وقت تحاول السلطة فيه تقزيم وتخفيض قضية الأسرى بتحويل ملفها من وزارة إلى هيئة أو لجنة خارج موازنة الحكومة.. وتمنع التضامن معهم باعتقال النشطاء وضربهم وإيذائهم.. والثالثة رسالة للأمة في ظل الثورات الوطنية وثورات الفاسدين المضادة لها التي تحاول أن تنال من سمعة المقاومة، وأن تحرف بوصلة تقويمها وطنيا وثوريا وقوميا.. العملية تضرب صميم ما يروجه الانقلاب المصري وداعموه ضد المقاومة لإخراجها عن الصف الوطني والثوري وتجريمها ثم استهدافها، وهي تعيد تصفيف صورة الجدال السياسي والعسكري في المنطقة بشكل واضح في احتلال عسكري دموي كولونيالي إحلالي صهيوني وبين شعب مقاوم وحركة مقاومة مشروعة همها وسعيها وجهدها منصب على تحرير بلادها ومواجهة عدوها. آخر القول: بما أن المصدر الوحيد لكل المعلومات عن عملية خطف المستوطنين الصهاينة حتى الآن هو العدو نفسه؛ فإن من الحكمة والحصافة الشك في كل الرواية والحذر من تتابعاتها واستثماراتها السياسية والدبلوماسية.