13 سبتمبر 2025

تسجيل

الارتباك سيد الموقف

19 يونيو 2013

في سياق التجهيز لمظاهرات الـ 30 من يونيو التي دعت إليها القوى المعارضة للرئيس المصري محمد مرسي، تختلط المواقف وتتخبط الاتجاهات إلى حد مزعج، حتى صار الارتباك بحق هو سيد الموقف. ومن مظاهر هذا الارتباك أن تتصالح المعارضة التي تصف نفسها بالثورية مع فلول النظام السابق، فيردد الاثنان نفس الشعارات المهددة والمتوعدة، وتتقاطع على نحو لافت مواقفهما من الرئاسة ومن منظومة الحكم التي أفرزتها المرحلة الانتقالية. ورغم أن هذا التحالف ليس وليد اللحظة، إلا أنه قد تعمق بحيث لم يعد هناك حضور مؤثر لقوى المعارضة خارج إطار تحالفها مع أنصار النظام السابق، كما لاحظ الدكتور رفيق حبيب. ومن مظاهر الارتباك أن تخلط المعارضة العلمانية بين انتقادها لأخطاء النظام الفعلية وبين تربصها بحكم الإخوان، وذلك تحت يافطات متعددة، أبرزها على الإطلاق تلك التي ترفض الإخوان بوصفهم ممثلين للدولة الدينية، رغم أن بصمات الجماعة في الحكم حتى اللحظة لا تقترب بهم من أي نموذج إسلامي واقعي أو متخيل. إلا أن مجرد ارتباط الإخوان على المستوى الشعاري بالدين يدفع القوى العلمانية إلى وضعهم في مرمى النقد المتواصل. ومن مظاهر الارتباك ذلك الخلط بين الدعوة لاحترام القانون والشرعية ومحاولة خلق وابتكار شرعية جديدة عبر توقيع استمارات التمرد الشهيرة، والتي رغم أنها لا تراعي أبسط عوامل النزاهة، إذ يمكن للشخص الواحد أن يوقع أكثر من استمارة، كما يمكنه أن يملأها ببيانات غير صحيحة، إلا أن أصحابها أقاموها كأساس جديد للمشروعية السياسية، فهم يعتبرون أن توقيع عدد كاف من هذه الاستمارات كفيل أن يسقط مشروعية الرئيس على نحو تلقائي، كما لو كانت ذات فاعلية سياسية تفوق فاعلية القانون والدستور الذي حدد الحالات التي يمكن أن يعزل فيها رئيس الدولة من منصبه والتي ليس من بينها توقيع معارضيه على استمارات تمرد عليه. ومن مظاهر الارتباك أيضا ذلك الحاصل بين الأهداف الثورية والأهداف الرجعية للمظاهرات المزمعة، فكثير ممن سينزلون في مظاهرات الـ 30 من يونيو يرفعون شعار إعادة الثورة إلى مسارها، ولكن هناك أيضا من سينزل لتمهيد الأوضاع أمام الجيش للانقلاب على الحكم، هذا السيناريو قد يتم تنفيذه بشكل مباشر من خلال توجيه نداءات للمؤسسة العسكرية لاقتحام المشهد السياسي، أو قد يترجم عبر تفجير سلسلة من المواجهات العنيفة التي "تجبر" الجيش على النزول إلى الشارع بحجة إنقاذ البلاد من الفوضى ووقف أعمال العنف والتخريب. هناك أيضا مفارقة التحمس لفكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة في مقابل غياب الحماس في الدعوة إلى الانتخابات البرلمانية التي تأجلت أكثر من اللازم، والتي من الممكن إذا ما تمت بنجاح أن تأتي برئيس وزراء يشارك الرئيس في كافة القرارات المهمة، ويعيد الثورة إلى مسارها الذي يري الكثيرون أنها قد انحرفت عنه. الآفة هنا أن كثيرا من القوى التي تدعو للتمرد ليست واثقة من قدرتها على إحراز أغلبية برلمانية حتى في ظل الأداء الضعيف الذي تقدمه الرئاسة والجماعة. كما تدرك هذه القوى أن من الصعب عليها أن تحظى بشرعية القبول لدى الجماهير، بنفس درجة نجاحها في تحريك مشاعر الرفض بينها. ولكن كما يتسم موقف المعارضة بالارتباك فإن الحال ليس أفضل كثيرا على الطرف الآخر، فجماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة تعاني هي الأخرى من التباس في المواقف وتخبط في السياسات. ومن مظاهر هذا ما يمارسه بعض أنصار الجماعة من خلط بين المعارضة المشروعة لنظامهم وبين ما يروجون له على أنه خروج عن الملة وشق لعصا الطاعة. فمرة أخرى تلجأ الجماعة إلى الديباجات الدينية في أوقات الأزمات، رغم أن الأداء العام لها في الحكم لا يعكس هذه الصبغة الدينية. هذا التحصن بالدين في وجه الانتقادات ذات الطابع السياسي، يؤكد لدى الخصوم فكرة أن الجماعة توظف الدين ولا تتبناه كطرح سياسي فعلي، خاصة أنه قد أتيحت للجماعة أكثر من فرصة لإثبات إخلاصها للفكرة الإسلامية، ولكن أداءها فيها لم يرق إلى المستوى الذي يقنع الناس بأن نظاما إسلاميا حقيقيا قد تولى السلطة في مصر. لون آخر من ألوان الارتباك تمارسه الجماعة يتمثل في حال الود المفاجئة التي تحاول إقامتها مع الجماعة الإسلامية، وبخاصة بعد أن تبنت الأخيرة خطابا تصعيديا تجاه الفصائل الداعية للمظاهرات، وقادت حملة لجمع توقيعات مؤيدة للرئيس. الإخوان أعجبتهم هذه الروح المستبسلة في الدفاع عن مكتسباتهم، فبدأوا في التسويق للفريق الذي دعا إليها، رغم أنهم في سياقات أخرى كانوا ينأون بأنفسهم عنه وعن خطاباته التي كانوا يعتبرونها ذات أثر سلبي عليهم. أما مؤسسة الرئاسة فكانت أبرز مظاهر التخبط التي شابت أداءها تلك التي صاحبت مواقفها الأخيرة من النظام السوري. فالرئاسة التي أغلقت أذانها عن نصح الناصحين فيما يتعلق بالموقف من الثورة السورية، وأصرت على المضي قدما في موضوع الانفتاح على إيران وروسيا والصين في وقت كانت الدماء السورية تنزف بفعل المواقف المتعنتة لهذه الدول، استفاقت على نحو متأخر جدا وقررت الحشد لنصرة الشعب السوري وطرد سفير بشار الأسد وإعلان منابذتها لحزب الله، في توقيت لا يخفى على أحد مدى ذرائعيته، واستغلاله الورقة السورية لكسب التعاطف الداخلي، وذلك من دون اهتمام بتوضيح أسباب التقارب السابق، مع أعداء الثورة السورية. والخلاصة أنه ما بين تمرد (اسم الحملة المناوئة للرئاسة والجماعة) وتجرد (اسم الحملة المؤيدة للرئاسة والجماعة) تختلط الأوراق في مصر، فلا يكاد يعرف أحد المسار الذي يمكن أن تسير فيه البلاد في المستقبل القريب. الأمر الوحيد المؤكد أن شحن الناس بهذه الطاقة السلبية الهائلة يصعب من مهمة النظام الحالي، ويضع تحديا كبيرا في وجه أي مجموعة سياسية تطرح نفسها للناس على أنها تمتلك ما لا يمتلكه الإخوان من حلول لأزمات ومشاكل البلاد.