10 سبتمبر 2025
تسجيلفي إطار العجز المزمن بالموازنة الحكومية المصرية سعت الحكومة خلال السنوات الماضية، إلى اتباع عدة سبل لتقليل ذلك العجز على جانبي المصروفات والإيرادات، ففي جانب المصروفات قامت بخفض الاستثمارات، كما اتجهت مؤخرا إلى خفض مكافآت موظفي الحكومة وخفض مخصصات دعم المشتقات. وعلى جانب الإيرادات قامت بالشراكة مع القطاع الخاص لإنشاء مشروعات البنية الأساسية، وألزمت الصناديق والحسابات الخاصة منذ عام 2006 بتحويل مواردها، إلى البنك المركزي في شكل حساب موحد تتجمع فيه كل حساباتها. ولقد وفر ذلك الحساب المجمع مساندة للحسابات الحكومية للاعتماد الجزئي عليها، للتقليل من الاقتراض من البنوك في شكل أذون خزانة وسندات خزانة، وتستفيد كذلك مع احتساب أرصدتها في الإقلال من حجم الدين الحكومي. وفي ضوء المطالب الفئوية التي تفجرت طلبا لزيادة الأجور، ومواجهة المطالبات بتدبير مدفوعات استيراد السلع الأساسية والمشتقات البترولية، وذلك في ظل تأخر صندوق النقد الدولي في الاستجابة لطلب الاقتراض المصري. كان السعي إلى زيادة الاعتماد على أموال الصناديق والحسابات الخاصة الموجودة بالبنك المركزي، وقيام رئيس الوزراء بتجميد أموال تلك الصناديق بالبنوك التجارية للاستفادة منها في مساندة الحكومة. وكان إنشاء تلك الصناديق والحسابات الخاصة يتم من خلال قوانين أو قرارات جمهورية أو وزارية أو من قبل المحافظين، لتأدية خدمات اجتماعية أو صحية أو علمية أو ثقافية أو تنموية أو اقتصادية، وذلك بهدف توفير السيولة لتمويل المشروعات المحلية بدلا من انتظار الإجراءات المالية المركزية البيروقراطية. وتقوم تلك الصناديق والحسابات بتمويل مشروعات حيوية لها علاقة مباشرة بالجماهير، منها مشروعات زراعية وصناعية ومشروعات أمن غذائي، ورصف طرق ومياه شرب وصرف صحي بالمحليات، وعادة ما تكون مشروعات لم يتم إدراج اعتمادات لها بخطة الدولة والموازنة الحكومية رغم احتياج المحليات لها. وهكذا تقوم كل جهة سواء صحية وتعليمية أو غير ذلك بفرض رسوم على الخدمات التي تؤديها، وتحصل على تلك الإيرادات لنفسها لتنفقها في أغراضها المحلية، دون أن تمر تلك الإيرادات أو المصروفات الخاصة بتلك الصناديق على الخزانة العامة أو الموازنة الحكومية. وهكذا تزايد عدد الصناديق والحسابات الخاصة حتى بلغ عددها أكثر من 6361 صندوقا، كما بلغت أرصدة حساباتها أكثر من 47 مليار جنيه مصري، وأشارت بيانات بعض تلك الصناديق بالبنك المركزي إلى بلوغ إيداعاتها ومسحوباتها خلال عام واحد ما يقرب من مائة مليار جنيه، بما يشير إلى كبر حجم الأموال التي تتداولها. مع الأخذ في الاعتبار استثناء حسابات الصناديق التابعة لبعض الجهات من الانضواء تحت ذلك الحساب الموحد بالبنك المركزي، ومنها وزارة الدفاع وهيئة الأمن القومي وأجهزة صناديق المعاشات والتأمينات وصناديق الرعاية الاجتماعية والصحية في جهات أخرى منها رئاسة الجمهورية. ومن هنا كان اتجاه الحكومة لبسط سيطرتها على أموال تلك الصناديق والحسابات والخاصة، كي تستعين بها لسد جانب من عجز الموازنة وتقليل اقتراضها من البنوك، وكذلك حظر إنشاء صناديق أو حسابات خاصة جديدة، مع الاتجاه التدريجي لدمج أموال الصناديق الحالية ضمن الموازنة العامة للدولة، تحت شعار وحدة الموازنة، وقدرت الحكومة الإيرادات المتوقعة من تلك الصناديق ضمن إيرادات موازنة العام المالي الجديد بنحو 12 مليار جنيه. واستندت الحكومة في مسعاها إلى بعض المخالفات التي وقعت فيها الصناديق، ومنها قيامها بدفع أجور ومكافآت لبعض القيادات بالمؤسسات الحكومية تحت مسميات خبراء ومستشارين، بدلا من استخدام تلك الأموال في معالجة مشاكل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إلى جانب دفع تكاليف نشر إعلانات وتعازي للمسؤولين المحليين ونحو ذلك من النفقات المظهرية. كذلك دخول بعض المعونات الخارجية إلى حسابات تلك الصناديق بدلا من دخولها الموازنة العامة، وتراخي بعض الصناديق في تحصيل مستحقاتها، وعدم وجود لوائح مالية لبعض تلك الصناديق، وبقاء أرصدة بمبالغ كبيرة مجنبة لمدة طويلة في بعضها دون استغلال مما يشكل حبسا للمال العام. ورغم اتجاه الحكومة ممثلة في وزارة المالية مؤخرا للتعامل مع ملف الصناديق الخاصة المؤجل منذ عدة سنوات، تبقى العقبة الرئيسية لضم أموال تلك الصناديق إلى الموازنة العامة للدولة، متمثلة في معارضة كبار المسؤولين من وزراء ومحافظين وقيادات محلية لذلك بشكل مستتر، في ضوء ما يحصلون عليه من مكافآت مالية تقدر بملايين الجنيهات من تلك الصناديق والحسابات الخاصة.