16 سبتمبر 2025
تسجيلتتغنى الدول الاستعمارية هذه الأيام بالديمقراطية والحريات الفردية وحقوق الانسان وحرية الشعوب في تقرير مصيرها وتتجرأ في إعطاء دروس للدول المغلوب على امرها في التنمية المستدامة والمشاركة السياسية والحكم الراشد متناسية ما قامت به من جرائم وحشية ومن تنكيل وبطش واستغلال ونهب الثروات والخيرات والتسبب في الجهل والتخلف في الدول المستعمرة (بفتح الميم). وتعتبر فرنسا من أشرس وأعنف واسوأ الدول الاستعمارية عبر التاريخ. ما قام به الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا مثيل له ولم تسجل كتب التاريخ أعمالا استعمارية واستيطانية بنفس حجم الاستعمار الفرنسي للجزائر. وتعتبر مجاز 8 مايو 1945 من الأحداث الاستعمارية الفرنسية التي تجسد همجية دولة غاشمة. ففي يوم واحد قتلت فرنسا 45 ألف جزائري لا لشيء إلا لأنهم خرجوا في مظاهرات للتعبير عن فرحتهم باستقلال الجزائر بناء على وعود فرنسا بمنحهم الاستقلال في حال مشاركة الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي في محاربته النازية وفي حال فوز دول المحور على النازية. فعندما تحقق النصر ظن الجزائريون أن فرنسا ستفي بوعدها، لكن كوفئ الجزائريون بجزاء سنمار وبدل الاستقلال حاز الجزائريون على مجازر دموية ومواجهة راح ضحيتها 45 ألف شهيد. تخليدا لهذه الذكرى الأليمة وحتى لا يطمسها التاريخ ويتجاهلها المتلاعبون بالعقول تحيي الجزائر في الثامن من مايو من كل سنة ذكرى المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، ذكرى أليمة جدا، فمباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم قتل أكثر من 45 ألفا من الجزائريين العزل لا لشيء إلا لأنهم خرجوا يفرحون باستقلالهم كما وعدهم المستعمر الذين ساعدوه وأنقّذوه من مخالب النازية. فبدلا من الوفاء بالوعد جاء جزاء سنمار. قامت فرنسا الاستعمارية بتقديم وعود للجزائريين بأنها ستمنحهم الاستقلال إن هم شاركوا معها في الحرب التي كانت تخوضها قوات التحالف ضد النازية الألمانية. وقد شارك الجنود الجزائريون بقوة في هذه الحرب، حيث استعملتهم فرنسا إلى جانب جنود المستعمرات الفرنسية الأخرى كدروع بشرية للجنود الفرنسيين. وانطلاقا من وعود فرنسا وقبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، خطط زعماء الحركة الوطنية الجزائرية للاحتفال بانتصار الحلفاء على النازية وذلك عن طريق تنظيم المظاهرات للضغط على فرنسا للوفاء بوعودها في تلبية مطالب الجزائريين ومنحهم استقلالهم، وفي أول ماي 1945، المصادف لعيد العمال، قام زعماء الحركة الوطنية بتنظيم المظاهرات والتجمعات والمسيرات السلمية في مختلف أنحاء البلاد، حيث نددوا من خلالها بالظلم والبطش والجرائم غير الإنسانية التي يرتكبها الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري ونادوا باستقلال الجزائر وتطبيق مبادئ الحرية التي رفع شعارها الحلفاء طيلة الحرب العالمية الثانية وإطلاق سراح المناضل السياسي والزعيم الروحي للحركة الوطنية الجزائرية مصالي الحاج، ورفعوا العلم الوطني الذي ظهر لأول مرة بهذه المناسبة في يوم 7 ماي 1945، ومع انطلاق الاحتفالات الرسمية بانتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء في مختلف أنحاء العالم، بدأ الفرنسيون في تنظيم الاحتفالات ومهرجانات للأفراح وشاركهم الجزائريون تلك الأفراح بعد أن تلقوا إذنا من الإدارة الفرنسية التي ما فتئت أن خالفت وعدها وادعت أنها اكتشفت “مشروع ثورة” ضد تواجدها بالجزائر. وحسب الوثائق التاريخية قامت السلطات الاستعمارية يوم الثلاثاء 8 ماي 1945، بمواجهة احتفالات ومظاهرات الجزائريين بأبشع أساليب القتل والقمع والاعتقالات الجماعية وتدمير وحرق قرى بأكملها خاصة في مدن سطيف وقالمة وخراطة، ونتج عن هذه المجازر البشعة استشهاد أكثر من 45 ألفا من الجزائريين المدنيين العزل. التاريخ باق والأدلة الدامغة تشهد على همجية أيشع استعمار عرفته البشرية عبر التاريخ، استعمار مارس بكل وحشية استراتيجية الإبادة والقتل الجماعي والتي جند فيها كل ترسانته ولم يرحم فيها أي أحد ابتداء من الرضيع إلى الكهل المسن. كما لم تكتف الإدارة الفرنسية الاستعمارية بنتائج تلك المجازر الوحشية، فقامت بحل الحركات الوطنية والأحزاب السياسية الجزائرية وإعلان الأحكام العرفية في كافة البلاد وإلقاء القبض على آلاف المواطنين وإيداعهم السجون بحجة أنهم خارجون عن القانون وإصدار في حقهم أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد والنفي خارج الوطن والحرمان من الحقوق المدنية. وتشير الوثائق التاريخية والأرشيف بأن يوم الثلاثاء 08 ماي 1945 كان مصادفا للسوق الأسبوعي لمدينة قالمة والقرى المجاورة لها وكان يوم عطلة بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وهو ما دفع بالجزائريين وبأوامر من حزب الشعب إلى تنظيم مسيرة سلمية ضخمة تكون في مستوى الحدث. وبعد مرور 73 سنة على مجازر 8 ماي 1945 البشعة، لا تزال الجزائر الرسمية تراوح مكانها في مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها الاستعمارية التي ارتكبتها في حق الجزائريين طيلة فترة الاحتلال وبالمقابل نلاحظ فرنسا التي تتغنى بشعار الحرية والمساواة والاخوة ترفض رفضا باتا الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها في الجزائر بل تتجرأ للكلام عن تمجيد الاستعمار وما قدمه، حسب ادعاءاتها، من خدمات النمو والازدهار والتقدم في الجزائر ومختلف مستعمراتها. كما أنها قدمت في العديد من المناسبات مطالب من تركيا تحثها على الاعتذار للأرمن عن المجازر التي ارتكبتها ضدهم. ولا تزال صفحة الماضي المتمثلة بالحقبة الاستعمارية، وثورة التحرير الوطني، تلقي بإرثها ودلالاتها التاريخية الثقيلة على مستقبل العلاقات الفرنسية — الجزائرية. فالماضي الاستعماري يعود بقوة من حين لاخر وتهب رياحه عاتية كلما أرادت فرنسا والجزائر التقدم على طريق إبرام معاهدة صداقة بين البلدين. وجرت محاولات جزائرية محتشمة لدفع فرنسا إلى الاعتراف بالجريمة الاستعمارية وإدانتها رسميا، لكن ذلك لم يتم بالطريقة التي يريدها الجزائريون، حيث صرَح الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا هولاند لما زار الجزائر نهاية 2012، بأن “الاستعمار كان ظالما”، غير أن ذلك لم يكن كافيا في نظر السلطات الجزائرية أما الرئيس السابق نيكولا ساركوزي فقال في 2007 “أيها الجزائريون لا تطلبوا من الأبناء أن يعترفوا بذنب ارتكبه آباؤهم"، وسار الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون على نهج سلفه وتحاشى لدى زيارته الأخيرة للجزائر في ديسمبر 2017، الخوض في ملف الذاكرة، والإصرار على التركيز على علاقات مستقبلية ناجحة بدلا من الرجوع إلى الوراء، إلى التاريخ، متناسيا أن التاريخ هو هوية الدول وأصلها وأساس تواجدها.