14 سبتمبر 2025
تسجيلاصطلح فلسطينيا على ربط النكبة الفلسطينية بيوم 15 من شهر يونيو في سنة 1948..ورغم أن هذا اليوم هو يوم حصيلة المشروع الصهيوني حتى إقامة الكيان على أرضنا إلا أنه لا يصور حجم العدوان الذي امتد لأكثر من مائة وعشرين سنة حتى الآن منذ المؤتمر الصهيوني في بال بسويسرا كما لا يعرّف بالفاعلين الأساسيين في هذه النكبة، فضلا عن أنه قد يوحي بأنها نكبة يوم من شهر في سنة.أما الحقيقة فهي أن للنكبة امتدادا في الزمان والمكان والأشخاص والهيئات مما يجدر التنويه له وتسليط الضوء عليه، ويجعل إحياء ذكراها حالة ذهنية ونفسية وفكرية للمراجعة وتقدير الموقف وليس بالطرب والأغاني والرقص الذي يفعله البعض ولو سماه بإحياء التراث والفولوكلور الوطني.. وأقول: لا بد من التأكيد على أن النكبة قد بدأت عمليا بعد رفض السلطان العثماني "عبدالحميد الثاني" رحمه الله الرشوة التي حاول مؤسس الصهيونية "تيودور هيرتزل" تقديمها لشخصه ثم لميزانية سلطنته مقابل أن يمكن المشروع الصهيوني من رقبة فلسطين، فكان الرفض وما أتبعه السلطان من قرارات استثنائية ضد المشروع الصهيوني دافعا أساسا لاستهداف السلطان والسلطنة وصولا لإسقاط الخلافة وتفكيك أملاكها وتشويه صورتها.. ذلك يسجل للعثمانيين بقدر ما يسجل للخلافة الإسلامية وأن فلسطين لم تسقط إلا على أنقاض حكمهما.ولا يجوز أن ننسى الدور القذر لبريطانيا التي احتلت فلسطين مطالع القرن الماضي ولا ننسى دور المؤامرة والتقنين الذي قامت به "عصبة الأمم" وإلى هذين الدورين ينسب إنشاء الكيان؛ وفي سياقه نتذكر وعد وزير الخارجية البريطانية آنذاك "آرثر بلفور" 1917 الذي منح فلسطين للشعب اليهودي ومثّل الحلقة العلنية الأولى في مسلسل التواطؤ البريطاني، كما لا ننسى ما قامت به بريطانيا من دعم للحركة الصهيونية إذ منحتها أكثر من 13 ألف كم2 قريبا من نصف مساحة فلسطين كانت أراضي أميرية، ومن استجلاب العمالة اليهودية، والسماح ببناء المستوطنات، واستعطافها بعض القيادات العربية النافذة لصالح توطين اليهود، وتدريبها الكوادر العسكرية اليهودية وتسليحها بالعتاد الثقيل، ومساعيها لكسب تأييد الدول الكبرى، ثم قمعها في مقابل كل ذلك للشعب الفلسطيني ولكل محاولة منه لإطلاق الثورة.أما فيما يتعلق بالشعوب العربية والإسلامية وجهدها الذي يطول الحديث عن صوره وجديته فإن في مقابله يجدر أن تلتفت لما يفعله البعض اليوم من تعاون وتنسيق أمني واقتصادي وسياسي ثم اجتماعي وإعلامي وصل حد الشراكة الصريحة مع مخططات وسياسات العدو، وأن نعيد التدقيق في الأدوار التي قام بها أشخاص ونظم وهيئات ومنظمات فلسطينية وعربية ثم إسلامية ساعدت في تدشين المشروع الصهيوني، وفي هذا الإطار نتذكر رئيس وزراء مصر آنذاك "النقراشي باشا" الذي رد على رسالة من الإمام حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" رحمه الله بخصوص دعم الثورة الفلسطينية بقوله: "أنا رئيس وزراء مصر وليس فلسطين" ونتذكر توكِيل جامعة الدول العربية كل القضية الفلسطينية إلى لجنة عسكرية، تلك اللجنة التي طالبت القائد عبدالقادر الحسيني ألا يفتعل ما أسمته "تصرفات فردية" وأن يمتنع عن الذهاب نحو المعركة في القسطل؛ فعلق على ذلك بقوله "سيشهد التاريخ أن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين".وفي ذكرى النكبة أيضا لا بد من تحميل المسؤولية لفئة من الفلسطينيين الذين نكبة القضية فيهم أكبر من كل النكبة لأنهم استعدوا بانحرافاتهم وفسادهم وعدم نأيهم عن تجاذبات المحاور العربية والإقليمية بعض الأشقاء والأصدقاء ضدهم ثم ضد القضية، ولأنهم فككوا الوحدة الوطنية بانقلاباتهم المتوالية على الثوابت الفلسطينية وتنكرهم لما مات عليه مئات الآلاف من الثوار والمجاهدين والأبرياء قبلهم وبعدهم، والذين صاروا يصفون التعاون مع العدو مقدسا وصرنا نسمعهم يصرون على حصار غزة وعلى تجويعها وتعتيمها صراحة دون لف أو دوران.آخر القول: النكبة الفلسطينية ليست يوما من شهر في سنة من القرن الماضي، أما فاعلها فمع العدو الصهيوني هو من يدعم هذا العدو من عالم طاغية ثم من بني الجلدة الذين يضيّعون كل فرصة لمواجهته ورضوا أن يكونوا مع الخوالف.