21 أكتوبر 2025
تسجيلهناك هوس. ربما لا غنى عنه. بإطلاق تعبير "جديد" على أي تطورات وتحولات تحدث في سياق من السياقات السياسية والثقافية والاجتماعية. لكن لفظة وتعبير "الجديد" تنطوي على مدلول مُضلل من ناحية معرفية. لأن "الجدة" المفترضة هنا مؤقتة وظرفية. وسرعان ما يتجاوزها الزمن ويأتي بـ"جديد" آخر. فجديد الأمس صار قديم اليوم. كما أن "جديد" اليوم سيعفو عليه الزمن ويصبح قديم الغد. سياسيا. وفيما يتعلق بتوصيف المنطقة التي نعيش فيها. تكرر تعبير "الشرق الأوسط الجديد" بشكل مدهش منذ انحسار النفوذ البريطاني وعهد الاستقلالات العربية. وصعود النفوذ الأمريكي. عندها كان "الجديد" هو هذا الاستبدال في النفوذ الأجنبي والسيطرة. بين ذلك "الجديد" و"الشرق الأوسط الجديد" الذي يتحدث عنه البعض الآن في حقبة ما بعد الثورات العربية وبداية انحسار النفوذ الأمريكي. مرت المنطقة بمراحل عديدة من "أشرقة أوسطية جديدة". أحدها بشر به شمعون بيريز بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانعقاد مؤتمر مدريد. وأشهرها مؤخرا ما بشر به جورج بوش الابن إبان غزو العراق. كل تلك "الأشرقة الأوسطية" صارت قديمة، بما يعني أن جدتها كانت ظرفية بحتة.ذات الجدل ينطبق على مفهوم "الإعلام الجديد" بل وبمفارقات أكثر، مرة أخرى. هناك "إعلام جديد" كل عقد من السنين على الأكثر. منذ ثورة التلفزيون الذي كان "الإعلام الجديد" الثوري مقارنة بالراديو. وهناك سلسلة متواصلة من "الإعلامات الجديدة". اليوم يُستخدم التعبير للدلالة على وسائل التواصل الاجتماعي وكثافة الاستخدام الفردية للإعلام الإنترنتي. بعيدا عن سيطرة المؤسسات الإعلامية التقليدية الكبرى. لكن هنا يتداخل التقليدي والجديد. ذلك إن اعتبرنا أن التلفزيون والصحف والمجلات هي ما يندرج تحت صفة الإعلام التقليدي فإن الغالبية الكاسحة من هذه الوسائل قامت بتجديد نفسها وأصبحت "أونلاين" وتفاعلية وتقريبا انمحت الفروقات الواضحة بينها وبين "الإعلام الجديد". يُضاف إلى ذلك سؤال له علاقة بأجيال المستخدمين. ذلك إن اعتبرنا أن الشريحة الأوسع من مستخدمي "الإعلام الجديد" هم الشباب والمراهقون وطلبة المدارس بل وحتى الأطفال (وهواتفهم النقالة والألواح الإلكترونية التي يلعبون عليها-ـ الآي باد وسواه). فإن هذه الشريحة لم تعرف من الإعلام إلا هذه الوسائل وبالتالي ليس هناك إعلام تقليدي أو قديم بالنسبة له كي تعتبر أن ما بين أيديها هو "إعلام جديد" ـ إنه إعلام جديد للجيل الأكبر سنا الذي خبر ورافق الإعلام "القديم".الواقع يشير إلى أن الحدود بين الإعلام "التقليدي" و"الجديد" تتداخل والوظائف تتكامل بحيث يصعب رسم خطوط صارمة تفرق بين الفضاءين. ويمكن رصد بعض جوانب التداخل والتكامل هنا. الجانب الأول. التكاملية الوظيفية (functional complementarity): وهذه الخصيصة ربما كانت الأهم والمقصود بها أن كلا من الإعلامين اشتغل على وظيفة معينة تكمل الوظيفة التي يقوم بها الإعلام الآخر. فالإعلام الجديد. وتعبيره الأهم وسائل التواصل الاجتماعي. يعتمد على الهواتف النقالة المحملة بالكاميرات الشخصية. ويسجل الأحداث على الأرض مباشرة (zoom-in) ثم يبثها "أونلاين" سواء للآخرين أو لمواقع إلكترونية. وربما تنتهي لقنوات تلفزيونية. كما شهدنا خلال الانتفاضات العربية. حيث كانت محطات التلفزة الكبرى مثل الجزيرة والعربية وغيرهما تقوم بعرض ما يصلها على الشاشة الكبيرة وتنقلها لمئات الملايين من المشاهدين في العالم (zoom-out). في العدد الأكبر من الحالات لم تستطع التلفزيونات الكبرى الوصول إلى أماكن الأحداث. إما بسبب التضييق الأمني. أو بسبب سرعة إيقاع الحدث. عندها كان الإعلام الاجتماعي هو الذي يقوم بالمهمة. الجانب الثاني يتعلق بالحراك والتعبئة (mobilization and mobility) ويعكس مرونة الحركة والقدرة الفائقة على النشر والاستدعاء وسوى ذلك. وهنا هنا يتحرك الإعلام الاجتماعي. الموجود في جيب كل فرد من الأفراد (أو الناشطين السياسيين والاجتماعيين) على شكل هاتف النقال من مكان إلى مكان بسهولة وسرعة تسابق حتى أجهزة الأمن. بخلاف ثقل حركة الإعلام التلفزيوني بكاميراته ومعداته الثقيلة. وفي الوقت نفسه يعمل مديرو الصفحات والمواقع الخاصة بالإعلام التقليدي على استلام الرسائل وإعادة توجيهها. وبالتالي إدارة عملية الحشد والحركة بشكل فعال. التي هي خليط بين التعبئة والإعلام ونشر المعلومة. جانب التكامل الثالث هو الشمولية (inclusivity) والمقصود هنا أن الإعلام الاجتماعي بسبب توفره في أيدي الجميع. عن طريق الهواتف النقالة. أو الكاميرات الصغيرة. قد تمكن من القيام بتغطية إعلامية شاملة لكل الأحداث التي تقع ضمن الانتفاضة الشعبية وفي كل المدن والقرى. هذا في حين تركزت تغطية الإعلام التلفزيوني في الميادين الرئيسية والمدن الكبرى. ولم يكن باستطاعة هذا الإعلام نشر تغطية تشمل كل المناطق بسبب الموارد البشرية والمادية وإدارة العملية الإعلامية نفسها. القدرة على التملك (affordability). وهنا تمتاز أدوات الإعلام الاجتماعي برخصها النسبي وإمكانية امتلاكها من قبل معظم شرائح المجتمع. وعمادها ببساطة الهاتف النقال. إضافة إلى ذلك فإن غالبية الشرائح الشبابية في الوطن العربي متواصلة الآن بواسطة الإنترنت وعندها حسابات على الفيسبوك أو تويتر. وهذا كله لا يحتاج إلى موارد مالية غير عادية. القدرة على تجاوز الرقابة (un-controllability) والمقصود هنا أن الإعلام الاجتماعي على الأرض off-line على شكل هواتف نقالة. وفي الواقع الافتراضي on-line. تصعب السيطرة الأمنية عليه. بخلاف الإعلام التقليدي والتلفزيوني. ويمكن القول إن المهارة الشبابية في استخدام الإعلام الاجتماعي فاجأت كثيرا من أجهزة الأمن في الدول التي حصل فيها الربيع العربي. ولم تستطع تلك الأجهزة مجاراة السيطرة الشبابية على تلك الوسائل. مما وفر فجوة آمنة خدمت الثورات العربية – وهي بالمناسبة فجوة تحاول أجهزة الأمن في الدول التي يحدث في ثورات ردمها بسرعة وبكل ما أوتيت من موارد.