31 أكتوبر 2025
تسجيلخيرا فعل قادة دول التعاون الخليجية في قمتهم التشاورية الأسبوع الماضي في الرياض حين أجلوا البت في مشروع الوحدة بين دولهم. ففكرة الوحدة بلا شك هي طموح وهدف لكل أبناء المنطقة أملاً في التقارب والتحصل على مزيد من المزايا المشتركة لاسيَّما الاقتصادية والاجتماعية منها. بل إن الوحدة هي مشروع ديمومة وبقاء لدول المنطقة إثر ما تواجهه من تحديات ومخططات تستهدف كياناتها ومكوناتها في وقت تزايدت فيه أصوات هذا الاستهداف وأصبحت له ممارسات علنية وفي وقت أصبحت فيه المعادلات العالمية أيضاً محكومة بمسلمات أبعد من المجاملات والمصالح الآنية إلى مزايدات على مجريات المستقبل بل وأصبح الطرف الخليجي بثقله الاقتصادي والنفطي يحسب مصدر خطر خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، فلا يمكن الاستمرار في حمايته أو تقديم الدعم له تحقيقا لاستمرار التدفقات النفطية بأمان وهناك من يتسلل تحت هذا الغطاء للنيل من قوى العالم الكبرى فكانت الإستراتيجيات الجديدة بعد السبتمبر المشئوم أن أعيدت صياغة الأهداف وتبدلت المواقع فأصبح العدو صديقاً والصديق عدواً مما استلزم على دول الخليج أيضا مواجهة جملة ظروف سياسية وأخرى اقتصادية لم تكن في الحسبان وغالباً لازمتها ضغوط محلية داخلية كثفت في حجم الضغوط على حكومات المنطقة التي لم يكن لها من خيار سوى المواجهة وبشتى السبل التي تظل الوحدة المشتركة أحد خياراتها الأبرز وهو ما يستلزم في الوقت ذاته التعمق الأكثر في صياغة هذه الوحدة ودراستها من كل الجوانب بالتشاور والمعالجات دون أن تكون مجرد قرار عاطفي سريع . فهي جذابة بلا شك كإطار وهدف والدعوة إليها من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة ديسمبر الماضي لقادة دول التعاون جاءت في وقتها سوى أن الحاجة لمزيد من الوقت التشاوري ضرورة ملحة وهو ما خلص إليه القادة في الرياض الأسبوع الماضي وهذا ما يدعونا إلى وصف قرارهم نحو الوحدة بالمناسب والعقلاني "فما خاب من استشار" فلا تزال مقابض العمل في أيديهم بقوة لبناء وحدة أقوى وأعمق متسلحة ببناء المكون الداخلي وصياغته وفقا لما يحقق النجاح لمستقبل الوحدة المرتقبة لا أن يكون القرار مجرد ردة فعل لظروف طارئة أو أن يحسب انفعاليا تجاه طرف آخر أو استفزازا له كما ظهر في التحليلات السياسية والتعليقات الإعلامية المصاحبة. فلهذا الخليج قصة لا تنتهي وقدر مستمر مع الأحداث الساخنة. فما إن تطوى صفحة حتى تلحق بأخرى مثلها أو أكبر منها حجماً وتأثيراً في حياة الناس هنا ومسير معاشهم وأمنهم. فهي منطقة تفاعل دولي وملتقى حضارات تاريخية أمدت العالم بالفكر والعلوم، فقد بزغت هنا حضارات متعاقبة " بابل ودلمون وسومر " حيث اخترع الدولاب الذي بنت عليه البشرية الكثير من تقدمها، ومن هنا بزغ فجر الإسلام بعالميته وعمومية فكره. وتستمر المنطقة الآن في إمداد جل آلة العالم وصناعاته بالطاقة والوقود ومدخلات الإنتاج. فما كان الحديث عن نفط المنطقة يأخذ مداه حتى بزغ فجر الغاز الطبيعي في أراضيها والذي يعد الآن عصب الإنتاج في معظم المنتجات الاستهلاكية في العالم. مما يجعل المنطقة الأكثر سخونة وجذباً للاهتمام عن سواها من مناطق العالم ومثلما تمتزج السياسة بالاقتصاد فهي بالدرجة الأولى يغذيها الفكر وميوله ومؤثراته المتنوعة وما يحكمها من تداخلات واهتمامات تبعاً لحالات التجاذب والتناقض التي تلازم مسير الإنسان في حياته. وكعادة الإنسان الأول الذي كبرت عضلاته قبل فكره بحثاً عن قوته وبسط نفوذه فما إن كبر العقل واستنبط سبل العيش الجديدة حتى استعاض بقوة السلاح عن عضلاته الفردية وتلك فروسيات لازمت تاريخ الإنسان القديم وظلت في باطن خيالاته تمده بالقوة نحو تحقيق مأرب عيشه وتوسعه. اليوم نحن هنا في الخليج نلازم قدراً جديداً في المواجهة مع قوى تطمع في توسيع مدى رقعتها والاستحواذ على مزيد من المقدرات باسم الفكر والمعتقد وتحفنا أيضاً مخططات ترسم لنا محددات عمل ومسير يتقاطع مع جملة أهداف عالمية. لذلك لابد من ضبط صياغة أهدافنا تبعاً لكل جملة تلك الاستنتاجات من أهداف الغير وأن نكون أكثر حصافة ودراية بما حولنا وما ينبغي أن تكون عليه دولنا مستقبلاً.