26 أكتوبر 2025
تسجيلالكبار في أمتنا لا يرحلون عنا وإن رحلت أجسادهم، ولكن تبقى آثارهم ومواقفهم حاضرة أمامنا يُحتفى بها وإبرازها في مجتمعاتنا في وقت اضمحلت فيه القدوات، وظهر لنا المشاهير الذين يبحثون عن كثرة المتابعين والمعجبين فهم لا شيء. ففي مثل هذه الأيام غادر الحياة شاعر الإسلام محمد إقبال رحمه الله، وبالتحديد في الحادي والعشرين من شهر أبريل 1938 من الميلاد، فهو أحد أعلام الإسلام المتميزين من القارة الهندية، وهب قلبه وعقله وفكره ورأيه وجهاده ووقته وحياته في سبيل إعلاء كلمة الله، والدفاع عن قضايا أمته في كل محفل يقف فيه ويتحرك، وهكذا هي حياة الكبار من صُنَّاع الحياة في أمتنا، وهذه لمحات عن حياة هذا العَلم الكبير محمد إقبال رحمه الله:- * قال له أبوه يوماً "اقرأ القرآن كأنما نزل عليك" لقد علّمه أبوه كيف يكون مع القرآن الكريم قراءة وتدبراً وفهماً ووعياً وعملاً وحركة ودعوة، فكانت علاقته بهذا الكتاب الخالد قوية متلازمة. * لم يعرف عنه يوماً أنه دعا إلى التعصب والكراهية والعنصرية، ولكنه كان دائماً يدعو إلى الحرية والعدالة والإنصاف وإلى العلم، والحياة الحرة الشريفة لكل إنسان في ظل الإيمان وراية الإسلام بالكلمة الطيبة المؤثرة، وله مواقف قوية وعزة المسلم مع المستعمر البريطاني آنذاك رحمه الله. * عندما تُذكر باكستان يُذكر محمد إقبال رحمه الله، يُذكر فضله وجهاده وكفاحه وسيرته الحية، وإيمانه بنهضة الإسلام وقوة المسلمين، لأنه هو أول من نادى في أحد المؤتمرات بتأسيس دولة إسلامية، واقترح لها اسم باكستان، ولكنه أدركه الرحيل قبل مولدها رحمه الله. * سافر إلى أوروبا لطلب العلم وكان ذا همة عالية في طلبه، فالتحق بجامعة كمبردج بإنكلترا لدراسة الفلسفة، ونال منها درجة جامعية في فلسفة الأخلاق، وسافر إلى ألمانيا فتعلم اللغة الألمانية والتحق بجامعة ميونيخ ونال درجة الدكتوراه، ومع هذه الهمة حمل معه رسالة الدعوة إلى الإسلام وعالميته، ونشر تعاليمه وحضارته وثقافته والدفاع عنه وبيان عظمته، مما ساهم في نقل الصورة الحقيقية عن الإسلام لدى أهل أوروبا. * زار بعضا من الدول الإسلامية والأوروبية فذهب إلى مصر وإلى القدس الشريف وأفغانستان، ورحل إلى إيطاليا في عهد موسوليني والتقى به، وذهب إلى أسبانيا وزار جامع قرطبة وقال قصيدته في جامع قرطبة. * رحل محمد إقبال رحمه الله ولكن بقيت آثاره من كتب في الاقتصاد والسياسة وفي التربية والفكر وفي ميدان الشعر وهو فارسه، ومن الكتابات المتفرقة ومن الرسائل التي كان يبعثها إلى أصدقائه وحكام الدول. * وظّف شعره في خدمة دينه وإظهار مبادئه وثوابته ومحاسنه وأخلاقه من جميع الجوانب بأحسن الصور والمشاهد الشعرية الحية. * لم يُعجب محمد إقبال رحمه الله بالحضارة الأوروبية وبريقها وزخارفها، مع أنه عاش فيها ثلاث سنوات وزارها عدة مرات، فأنشد قبل عودته إلى وطنه الهند قائلاً:- "يا ساكني ديار الغرب ليست أرضُ الله حانوتاً إن الذي تَوَهّمتوه ذهباً خالصاً سترونه زائفاً.. وإن حضارتكم ستْبخَع نفسها بخنجرها إن العُشَّ الذي يُبنى على غُصن دقيق لا يثبت". "إن فكر الإنسان ناحت صنم، وعابد صنم، يخلق في كل زمان صنما. وقد جدد اليوم لنفسه أوثانًا من اللون والنسب والوطن". * قال عنه أبو الحسن الندوي رحمه الله "ومن دواعي العجب أن كل هذا النجاح حصل لهذا النابغة وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين عاما من عمره". وقال عنه أيضاً "إن إقبال أنبغ عقل أنتجته الثقافة الجديدة، التي ظلت تشتعل وتنتج في العالم الإسلامي من قرن كامل، وأعمق مفكر أوجده الشرق في عصرنا الحاضر، إن جُلّ ما أعتقده أنَّ إقبـــال شاعرٌ أنطقه اللهُ ببعض الحكم والحقائق في هذا العصر، أنطقه اللهُ الذي أنطق كل شيء، أنطقه كما أنطق الشعراء والحكماء، قبل عصره، وفي غير عصره". * ومما قاله قبل رحيله رحمه الله: آية المؤمنِ أن يلقى الرَّدى باسم الثغر سُروراً ورضا "ومضة" "إن ثروة الأمة قادتها الهادون، لا الأمتعة والفضة والذهب، وإن رأس مالها نسل شديد، ذو فكر خصب وعزم حديد. الأمهات للإخوة حافظات، وعلى القرآن والأمة قائمات". كم في حياة الكبار في هذه الأمة من دروس ومواقف ومشاهد ومباهج! رحمك الله يا محمد إقبال شاعر الإسلام. [email protected]