13 سبتمبر 2025
تسجيلثمة حاجةٌ ماسة، على مدى الأسابيع القادمة، لفهم طريقة تفكير الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خاصةً فيما يتعلق برؤيته لمحددات وثوابت علاقة الولايات المتحدة مع كلٍ من إيران والعرب. لاتهدف مثل هذه العملية الحساسة لـ (التأقلم) مع مايريده الرجل، كما يعتقد البعض بسطحيةٍ تتلبس مسوح الواقعية. على العكس من ذلك، تبدو المرحلة الحالية بامتياز، أمريكياً ودولياً وإقليمياً، المرحلة التي يمكن فيها للعرب التعامل بدرجةٍ من الندية مع أمريكا لم تحدث من قبل.هناك شيءٌ يتبلور يمكن تسميته بـ (عقيدة أوباما)، بمعنى الرؤية الاستراتيجية التي تحكم طريقة صناعة السياسة لديه وفي أوساط إدارته، وفهمُ هذه العقيدة بشمولٍ ودقة هو الذي سيمُكِّنُ العرب من التعامل معها ومع صاحبها بما يحقق مصالحهم.شاعت الانتقائية من لقاء أوباما الشهير مع توماس فريدمان، وهو يُعتبر بحق مادةً ثريةً تحتاج إلى الكثير من التحليل في هذا المجال. ولتجنب التشويه وتلك الانتقائية ننقل فيما يلي ترجمةً حرفية لإجابةٍ على سؤال يتعلق بإيران تحديداً، يجب الاطلاع عليه كاملاً لمن يحاول الفهم. حيث قال أوباما:"إيران لاتحتاج إلى قدرات نووية لتُصبح قوة كبرى في المنطقة.. وأقول للشعب الإيراني: إيران لاتحتاج إلى أن تكون ضد السامية أو ضد إسرائيل أو ضد السنة لتصبح قوةً مُعتبرة. إيران لديها المقومات والكمون لو أنها كانت لاعباً دولياً مسؤولاً، ولو أنها لم تدخل في حالة من الخطاب العدائي ضد جيرانها، ولو أنها لم تعبر عن معانٍ معادية للسامية واليهودية، ولو أنها حافظت على قوةٍ عسكرية لتحمي نفسها، لالتتدخل في حروب بالوكالة في المنطقة. فقط بمقاييس بحجمها ومصادرها وشعبها، ستكون قوة إقليمية كبيرة جداً. وأملي هو أن يدرك الشعب الإيراني هذه الحقائق. من الواضح أن جزءاً من السيكولوجية السائدة في إيران متجذرٌ في التجارب الماضية. في الشعور بأن بلدهم كان يُنظر إليه دونياً، وأن الولايات المتحدة والغرب تورطوا، أولاً في ديمقراطيتهم [في إشارة لتجربة مصدق]، ثم في دعم الشاه، ثم في دعم العراق وصدام خلال تلك الحرب الوحشية. وهكذا، تحاورت مع فريقي بأن علينا أن نفرق بين إيران الهجومية بمنطلقات أيديولوجية، وبين إيران الدفاعية التي تشعر بدرجة من الضعف والامتهان، وهم يتصرفون بهذه الطريقة لأنهم يحسبون أنها الوحيدة التي يمكن معها تجنب تكرار ماحدث في الماضي. إذا استطعنا المضي قدماً في هذا الاتفاق، وأريد التأكيد هنا بأننا لم ننتهِ من الموضوع، فهناك الكثير من التفاصيل، والكثير من التراجعات، والكثير من المنزلقات والصعوبات السياسية في إيران وهنا في أمريكا. ولكن، إذا تمكنا من الاتفاق، فإن مايمكن أن يحدث، وأنا لا أعتمد على ذلك، هو أن هناك قوىً في إيران ستقول: إننا لانحتاج لأن نرى أنفسنا كلياً من خلال منظور آلتنا الحربية. فلنتقدم في حقول العلوم والتكنولوجيا وخلق فرص العمل وتنمية أبناء شعبنا. و[في حال الاتفاق فإن] من يفكر بهذه الطريقة سيصبحون أكثر قوة. لكنني أقول هذا مع التأكيد بأن الاتفاق الذي نعمل عليه ليس قائماً على فكرة تغيير النظام. إنه اتفاقٌ جيد حتى لو لم تتغير إيران أبداً. حتى لو كنتَ مقتنعاً، مثل نتنياهو مثلاً، بأنه لافرق بين هذا الفريق أو ذاك.. نحن أقوياء بشكلٍ كافٍ بحيث يمكننا الحكم على مثل هذه القضايا [والتصرف حيالها] دون أن نصل إلى مرحلة المخاطرة.. وحين نرى أنها لاتقود إلى مُخرجات أفضل فإن بإمكاننا على الدوام تعديل سياساتنا.. من يعلم، فقد تتغير إيران. ولكن إن لم يحصل هذا فقوتنا وإمكاناتنا العسكرية باقية ومعروفة.."يمكن أن نمارس هجاء السياسة الأمريكية إلى يوم الدين، لكن هذا لن ينفع في تغيير التوصيف (الطبيعي) الذي يراه أوباما لموقع إيران في المنطقة، ولمحددات السياسة المطلوبة منها لـ (يُفسحَ) لها المجال بحيث تحتله، وهي محدداتٌ واضحةٌ ومُفصَّلة. وفي الحقيقة، يمارس الرجل السياسة بطريقةٍ شمولية تتجاوز النظرات الجزئية السائدة أحياناً في المنطقة.يستعمل أوباما كل الأوراق الموجودة بيده سوياً، دون أن يعتمد على واحدةٍ أو اثنتين منها فقط. يُغري الشعب بمنافع (التغيير) في عقلية السلطة وفكرها السياسي، لكنه يُطمئن هذه الأخيرة بأنه لايهدف لإسقاطها. يؤكد على (السياسة) ومكتسباتها ويُشير إلى (السلاح) وإمكاناته. يحاول ضبط الحاضر بإكراهاته العاجلة وعينهُ على المستقبل بكمون التغيير الوارد فيه.كأن الرئيس الأمريكي يقول للإيرانيين شعباً وحكومة: "أنا فهمتكم". هذه مقولةٌ باتت مشهورةً في تاريخ العرب المعاصر، لكن الفارق الكبير يكمنُ فيمن يقولها. أعرف حجمكم ووزنكم في المنطقة، يقول أوباما. أعرف تاريخنا معكم، يُتابعُ قائلاً. تصرفوا بعقلٍ ولاداعي لخطابٍ متهور يؤثر سلبياً على وزنكم وعلى طريقة تعاملنا معكم، يختم حديثهُ لهم.هو نوعٌ من (توازن الرعب) ممزوجٌ بمحاولةٍ لـ (العَقلنة) يطرحهُ رئيس القوة الكبرى في العالم، خياراً مُختلفاً، على قوةٍ إقليمية تبدو (مُستعجلةً) لتحقيق طموحاتها السياسية المخلوطة بالأيديولوجيا. وقد تثبتُ الأيام أن إيران التي ينصحُ الرجلُ الإيرانيينَ بملامحها قد تكون أخطرَ، استراتيجياً، من إيران الحالية.لكن مايهم العرب في الموضوع يتمثل في الثوابت التي ينطلق منها أوباما في رؤيته لإيران والإيرانيين وتعامله معهما. وهذا موضوعُ مقالٍ آخر.