16 سبتمبر 2025

تسجيل

من ينقذ ما تبقى من سوريا ؟

19 أبريل 2012

منطق نظام دمشق في معالجاته للثورة السورية لم يتغير منذ بدايته، وهو ذات المنطق والتفكير الذي درج عليه مع شعبه منذ أواخر الستينيات يوم استلم الحكم وانقلب على رفقائه وقتلهم.. من أبرز ما نراه في هذا المنطق اليوم ؛ القسوة الأمنية إرهابا وعقابا، والكذب الكثير في كل شيء وحول كل شيء.. واستعمال من يسمون بـ " الشبيحة " من مجرمين (أصحاب سوابق) ورجال أمن سري يقومون بالأعمال القذرة ضد الجيش ومؤسسات الدولة لتتهم بها المعارضة ولتبرير ما يقوم به النظام من جرائم وممارسات بحقها وبحق شعبه.. أما وعود الإصلاح وتصحيح الدستور فهذه كلها لم تزد عن وعود ومغلفات وإغراءات أنزلها للتداول الإعلامي وهي في أحسن حالاتها نوع من المداورة والمناورة لتثبيت صورة وشكل ومضمون النظام " المتشخصن " في فئة وطائفة ورئيس وأقارب وزمرة من المتنفذين بأعيانهم.. ومن يعرف نظام دمشق وتاريخه وثقافته الأمنية والإعلامية يعلم أن شيئا حقيقيا من التغيير على منطقه وأدواته في مواجهة الثورة وتعامله مع أزمته لن يتغير.. في حين أن واقع الحالة السورية وثبات النظام على هذا الخيار لم يثمر إلا مزيدا من استشراء الدم والثورة وفيضانها من بلد لبلد ومن حي لحي، ولم ينتج عنه إلا التدويل الذي بدأنا نراه وها هو يزحف على سوريا زحفا.. وما دام المستقبل هو ابن الماضي وأدوات التأثير فيه هي ذاتها فمن السهل القطع بأنه لن يكون أفضل من الماضي وأن الحلقات سوف تلتف وتضيق حول عنق النظام..   في كل الأحوال لن تعود سوريا إلى ما كانت عليه قبل الثورة، ولن يقبل الناس النظام مهما حاول إنتاج نفسه من جديد بعد كل الذي أوقعه فيهم.. القوى الأخرى الخارجية - عالمية وإقليمية – ممن لها مصالح في تأزيم الوضع السوري وعلى رأسهم أمريكا و " إسرائيل " هم الآخرون جاءتهم الفرص إلى أبواب بيوتهم وتحت نوافذهم، وقد باتوا يحققون على أرض الواقع ما حلموا به عشرات السنين وربما لم يحلموا به.. وماذا أفضل من أن تأتي لجان تحقيقهم ومخابراتهم إلى سوريا وتدخل كل مدينة وكل حي وربما كل بيت وقصر!؟ وماذا أفضل من أن يستمر الصراع ويستعر القتل وتتهتك سوريا ؛ فإن ظل النظام فهو خاضع ذليل، وإن تحررت منه فالميراث الذي ستحمله الثورة ثقيل وأي ثقيل! هذه القوى لن تفرط في مصالحها وفرصها من الأزمة ولن تحرص على حلها ما دام لها فيها غاية ونية ومصلحة..   ذلك كله يذكرنا ببعثات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي أرسلت إلى العراق – عراق صدام حسين – ودخلت كل بيت وكل قصر وكل مصنع أدوية ورصدت طير في السماء وكل نبتة عشب على الأرض، ليتبين بعد ذلك أن الكثيرين منهم كانوا مخترقين وموظفين في أجهزة استخبارات إسرائيلية وغربية كثيرة وكبيرة.. الأخطر من كل ذلك في المسألة السورية أن تتقارب القوى الثورية وبالطبع منها في العالم العربي التي أسقطت حكومات.. أن تتقارب شيئا فشيئا مع التدويل والتدخل الأجنبي وأن يصير ذلك مبررا أو على الأقل موضع أخذ ورد وقد لا يكون كذلك في المستقبل..   التقارب مع أمريكا والغرب وتسويغ أن يضرب الناتو سوريا - بالطبع أو إيران أو حزب الله وقبل ذلك ليبيا – لم يكن مقبولا بأي صورة فيما مضى.. ولكنه بعد جرائم هذا النظام صار ولدى فئات ممن لا يتهمون في نياتهم أو وطنيتهم أمرا سائغا ومتقبلا بل مطلوبا من أجل حماية المدنيين.. وكلنا نتذكر بنغازي الذي هددها سيف القذافي وسير إليها الدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة ليدمرها، وكيف صار الناس يستعجلون التحرك العالمي ويتقبلون التدخل الغربي لضرب كتائب القذافي.. في تلك اللحظة لم يكن السؤال الأهم لماذا يفعل الغرب ذلك.. ولكن لماذا لا يستعجل فيه؟ هذا الذي أخشاه ويخشاه كل صاحب خلق ودين ووطنية أن يحث مثله في سوريا ؛ فتنقلب المفاهيم ويقع التقبل التدريجي للغرب وسياساته ومواقفه وزوايا نظره وتكون الماحقة في الدين والمهلكة في الدنيا..   بالتأكيد ليس المطلوب من وراء هذا التفصيل أن يبكي أحد على النظام السوري، ولا أن يتوقف الشعب السوري عن ثورته وانتفاضته أو يبددها أو يتبرع بها مجانا على التاريخ البائس للنظام الذي يحكمه، وليس المطلوب أن نقف في وجه التدويل فيما النظام يجري جريا في الدماء ويقصف الآمنين في حمص وحماه وإدلب ودرعا وغيرها.. ولكن المطلوب شيء آخر..   المطلوب أن يقوم أناس بأعينهم يجب أن يتوفر فيهم شرطان ليستطيعوا إقناع الأطراف بإيقاف هذا التدهور من أجل سوريا وليس من أجل أي شيء آخر ؛ الشرط الأول: أن يكونوا مقبولين لدى النظام السوري وممن يعدهم أصدقاءه الناصحين الخالصين ؛ ليتمكنوا من إقناعه بخطورة القادم عليه كنظام ؛ وبأن الثورة والمعارضة قد تتخذ مواقف أكثر إضرارا به وأكثر غرقا في الخارج ومعادلاته وستكون مبررة إن هو استمر على ذات المعالجات الفاشلة.. والشرط الثاني: أن يكونوا مقبولين لدى المعارضة والثورة أيضا ليستطيعوا شرح خطورة القادم على سوريا - سوريا التاريخ وسوريا المقاومة وسوريا الدور وسوريا المكان والمكانة – وليبينوا أثر التحالف مع الغرب والتدويل على فكر المقاومة وعلى القيم الثورية التي يجب أن تبقى ترفض ذلك مهما كانت المبررات..   متوقع أن يوجد أناس من هذا الطراز ممن لا يزالون يوالون النظام ولكن عن وعي وعن حب لسوريا لا عن طائفيته ولا عن قتله الآمنين ولا عن بؤسه الفكري والسياسي.. أناس أحبوا النظام ودافعوا عنه تحت عنوان المواجهة مع المحتل وفي سبيل حماية الأمة..   آخر القول: النظام السوري يحتاج لتثقيف في كيفية احتواء الأزمة بعيدا عن الحلول الأمنية وثمة فئة واحدة بقيت القادرة على فعل ذلك وعليها أن تقوم بهذا الدور.. وألا تكتفي بمهاجمة الشعب الثائر في سوريا، وألا تظل تفكر فقط بمنطق الولاء للنظام على الخير والشر.. هؤلاء يجب أن يتحركوا اليوم.. ويجب أن يقوموا بالمهمة قبل فوات الأوان..