14 سبتمبر 2025

تسجيل

ما لداعش وتماثيل الموصل؟

19 مارس 2015

* سألني صديقي المتزمت الظاهري المنهج وأنا أعرف ما يرمي إليه !! سألني عما قامت به داعش من تحطيم تماثيل متحف الموصل .. فأجبته بأن " هذا خطأ في أقل الحدود وقد يكون جريمة بحق التاريخ والجغرافيا والثقافة " فقال ألست برأيك هذا تخالف صحيح الشرع وصريح الأمر النبوي .. أليس قد روى مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك ‏على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ‏ولا قبراً مشرفا إلا سويته " فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وأمر به فكيف تنكرونه أم أنكم تنكرون على داعش حتى الحق الذي لا مرية فيه ؟ فأجبته وقلت : * لست ممن ينكرون على داعش أو على سواها كل شيء والله تعالى يقول ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) أي لا يحملكم بغض قوم على ألاَّ تعدلوا في حقهم .. وهذا ما يجب أن يكون منهج كل مسلم فضلا عمن يتكلم في الأحداث العامة حتى مع أشد الناس عداوة ، وأعتقد أن كل أحد من شخص أو حزب أو نظام له من الصواب ما يغري أحدا ما بالإعجاب به واتباعه كما أن له من الأخطاء والخطايا ما لا يراه إلا باحث عن الموضوعية ملتزم بالحيادية .. * وأما الاستدلال بأنه صلى الله عليه وسلم كسّر أصنام الكعبة يوم الفتح .. فهو استدلال في غير موضعه وقياس مع الفارق وعلى غير مقيس وبغير علة مشتركة .. فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كسّر أصناما تعبد وليس تماثيل في متحف مات عابدوها أو المتجملون بها منذ آلاف السنين ، ولم يمزق صفحات التاريخ الذي مضى ولم يحرق كتب التراث التي تذكر بالتخلف الفكري لأقوام كفروا وانحط بهم تنكب سبيل الحق أن عبدوا الحجارة والتراب ثم انتهوا ودثرتهم ودثرت دينهم آلاف السنين !* وفي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا نلمح ثلاثة ملامح ؛ أولها : أن تلك التماثيل كانت رموزا وعناوين لعقيدة وعبادة ظل يحاربها لعشرين سنة حتى جاء اليوم الذي يختم فيه حربه تلك بتحطيمها ، وثانيها : أن تحطيم تلك التماثيل يعتبر تسجيلا لنصر نهائي على عبّادها وتدمير لعقيدة كانت قائمة ومتجسدة فيها ولتلك التماثيل جيوش مقاتلة ومؤمنون بها وبأيديولوجيتها ، وإزالة للشرك وكنس للكفر ، وثالث الملامح : أنها كانت في مسجد مقدس لا يجوز أن يكون فيه إلا التوحيد ولذلك لحق التشريع بالأمر ألا يدخل المسجد ولا يطوف بالبيت كافر ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام .. ) .* فإن جئنا لما فعلته داعش بتماثيل الموصل ونينوى فإن القياس على تحطيم تماثيل المسجد الحرام فقد يصح القياس لو أن أهل الموصل عبدوا تلك التماثيل من دون الله ، أو لو وضعوها في المساجد .. ولكنها هرولة وراء الأشكال وتمسح بظواهر الأدلة وتحمس لكل معركة .. وقد يكون لأهداف أخرى تبينها الأحداث وتكشفها حقائها الأيام .. غير أنهم وكما هم في الكثير من مواقفهم ومعارفهم لم يغوصوا لأعماق المقاصد الشرعية ولم ينظروا في ميزان المصالح والمفاسد ..* ثم إنه صلى الله عليه وسلم قد حكم كل جزيرة العرب وبالضرورة علم بمدائن صالح جهة الشام بل مر بها في طريقه لتبوك وعلم منازل عاد جهة اليمن وفي كل منهما تماثيل ؛ ولكنه لم يحطم شيئا منها ولم يأمر بذلك .. أتراه يترك معروفا ويقر منكرا – حاشاه - ؟ أم تراه يغيب عنه حكم تفهمه داعش .. فلا ورب محمد وحاشاه صلى الله عليه وسلم ؟ وأصحابه من بعده وأتباعه ألم يحكموا الجزيرة والشام والعراق ومصر وحكموا نينوی وبلاد الأفغان وحكموا بلادا كثيرة امتدت ما بين طنجة حتى جاكرتا وفيها من التماثيل والصور والمجسمات ما فيها منذ آلاف السنين قبلهم ويعلمون أنها ستبقى بعدهم ولم يتعرضوا لها أو ينشغلوا بها .. ولا أخف حجة من زعم أنها كانت مطمورة وبعضها كالجبال الرواسي أو زعم أنهم لم يصلوا إليها بمعنى لم يعلموا بها أو زعم أنها كانت تكلفهم الوقت والانشغال .. فالذين فتحوا فارس والروم لا يعجزهم أن يصلوا إلى كل مكان لإقامة التوحيد الذي هو أغلى من كل الوقت والمال .. لو كان الأمر على هذا الوجه ..