13 سبتمبر 2025
تسجيلتعد معدلات التضخم من أكبر وأهم المؤشرات الاقتصادية تعبيرا عن الأوضاع الاقتصادية لارتباطه بالإنتاج والعمل والاستهلاك والأسعار والقيمة الشرائية للعملة والنقود، وعلاقة ذلك بفعاليات الحياة اليومية للأفراد ولكل قطاعات المجتمع، ومنها التأثير السلبي المتراكم للتضخم على قيمة الأصول المالية للشركات وتآكلها مع كل زيادة في معدلات التضخم، ولاسيَّما أن هناك علاقة طردية متزايدة بين معدل التضخم ومعدلات إعسار الشركات أو إفلاسها، فأزمة التضخم وارتفاع الأسعار تصنعها بعض المواقف من سلوكيات البعض من القادرين على شراء السلع والخدمات بأي سعر وهي تؤدي إلى زيادة الطلب، في ظل ثبات حجم المعروض، ما يؤدي إلى ارتفاع يلتهم الفقراء ومحدودي الدخل. ولا شك أن معاناة الشارع المصري خلال الفترة الأخيرة هي الدليل على تلك العلاقة الوثيقة، خاصة مع الارتفاع الشديد لأسعار السلع الغذائية التي كشف عنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من وصول معدل التضخم السنوي إلى 2ر10 % للمرة الرابعة خلال الشهر الثاني من الربع الأول من 2014، مقارنة بشهر فبراير 2013 والذي زاد فيه بنسبة 16.1% ليساهم بنسبة 76.6% في معدل التضخم السنوي، إلى جانب زيادة أسعار الرعاية الصحية بنسبة 12.8% لتساهم بنسبة 6.4% في التضخم السنوي، ناهيك عن ارتفاع أسعار التجهيزات والتأثيثات المنزلية والصيانة بنسبة11.7% لتساهم بنسبة 3.7% في المعدل العام للتضخم، وهذه الزيادات في أهم السلع والخدمات المرتبطة مباشرة بحياة الأفراد، تؤكد على عمق المشكلة، التي تفاقمت من جديد، كما حدث في عام 2008 التي صعد فيها التضخم إلى مستوى قياسي إذ بلغ 23%، وهي سنة اندلاع الأزمة المالية العالمية التي كان لها تأثير كبير على الاقتصاد المصري، وإن كان ذلك متوقعا في ظل الإعلان عن الحد الأدنى للأجور، وضعف الرقابة على الأسواق أو انعدامها، وما صاحب ذلك من التدني الاقتصادي الذي انتاب شتى المجالات الاقتصادية الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية والخدمية التي تعمل تحت غطاء أمني أقل ما يوصف به أنه مازال ضعيفا حتى وصل الأمر إلى العجز عن الدفاع مواقعه وجنوده الذين يتساقطون تباعا رغم تأكيدات المسؤولين بأن مهمتهم الأولى هي مواجهة الإرهاب الذي يهدد الحياة الاقتصادية والأنشطة السياحية بالشلل التام إذا استمر الوضع على حالته، ومن الطبيعي خلال سنوات الاضطراب السياسي والاقتصادي أن نجد مثل تلك السلبيات الأمر الذي يحتاج التحرك الجاد للخروج من هذا الوضع، تعمل على تقليص حدة التضخم ومعالجة الخلل في بين العرض والطلب في معادلة الاستهلاك حتى يمكن تراجع الأسعار والسيطرة عليها، لأن التضخم سوف يظل خارج السيطرة إلى أمد أطول، وأن التضخم سوف يستمر في الارتفاع إذا لم تسع الحكومة جديا للحد من ارتفاعات الأسعار، التي تفرضها عمليات الاحتكار شبه المقنن، وتعمل على خفض التوترات الاجتماعية التي تتصاعد لهذا السبب، لأن ذلك سوف يؤثر على الأمن الاجتماعي المجتمعي، في الوقت الذي ننشد فيه الاستقرار والبدء في تشغيل دولاب العمل ودورانه من جديد، بعيدا عن المطالب العمالية والفئوية التي تتصاعد في توقيتات غير مواتية للوضع الاقتصادي العام، وإن كانت مطالب مشروعة، إلا أنه يجب العمل على الحد منها أو تجميع كل هذه المطالب لدراستها في وقت لاحق، على أن تتعهد الحكومة بالالتزام به وفق خريطة واضحة ومعلنة، حتى يتفرغ الجميع للعمل، لأنه عجلة الإنتاج سوف تظل متعطلة، مع استمرار هذه الوقفات الاحتجاجية التي تتسم بالعشوائية، وحتى لا يعتمد الاقتصاد على المعونات أو جباية الضرائب من العمال والكادحين في الداخل والخارج لزيادة موارد الدولة التي تشهد تراجعا حادا في السنوات الأخيرة، نتيجة لحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتراجع الإنتاج، حتى أصبحت السلع والخدمات لا تلبي احتياجات السوق، الأمر الذي جعل التضخم ينخر كالسوس في الكيانات المالية والإنتاجية التي تأثرت منها شركات ومصانع ومؤسسات أغلقت بسبب العجز عن توفير السيولة الكافية لاستيراد المواد الخام الضرورية لعمليات التشغيل التي تخلق فرص عمل جديدة، لأن الإشكالية أن معدل البطالة في مصر يتجاوز 25%، وعجز الميزانية لن يقل عن 12% من الناتج القومي، في الوقت الذي لم يتمكن الاقتصاد من تحقيق نسب نمو تتجاوز 1.2 % خلال العام الماضي، لذلك من الضروري وضع إستراتيجية واضحة تتمكن مصر من خلالها أن تصل بمعدل التضخم إلى 7%، وأن يصل عجز الموازنة إلى 10أو 12% مع نهاية العام المالي الحالي، وبدون هذه الخطوات فإن معدل التضخم مرشح للزيادة خلال الفترة القادمة، خاصة في حال رفع أسعار الطاقة، أو استمرار استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء ومختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى.