13 سبتمبر 2025

تسجيل

محاربة الفساد المستوطن كفيل بإنقاذ تونس

19 فبراير 2016

تفاقم الفقر في تونس، في حدّيه الأدنى والأعلى ليصل في المعدل إلى 30 في المائة، واشتدت وطأته أساسا على أطياف كبيرة من التونسيين نتيجة سوء عدالة توزيع الدخل الذي يعادل مؤشره 40 في المائة، مقابل معيار معتمد دولي يساوي 100في المائة. ويعاني الاقتصاد التونسي ولا يزال من مشكلة البطالة، إذ يوجد ما يقارب مليون عاطل عن العمل في تونس، وهو الأمر الذي يتطلب من الحكومة التونسية معالجة مشكل البطالة لامتصاص غضب الأعداد الكبيرة من العاطلين ولاسيما أصحاب الشهادات العليا،الذين يزيد عددهم عن 250 ألفا. ويعتبر ملف محاربة الفساد ملفاً مفصلياً في نجاح أي حكومة ما بعد الثورة. فالمراقب للوضع السياسي التونسي يلمس بوضوح أن الحكومات المتعاقبة سواء في عهد الترويكا السابقة بقيادة حركة النهضة، أم في عهد رئيس الحكومة المتخلى مهدي جمعة، لم تبلور خطة حقيقية لمقاومة الفساد، وإقرار الحوكمة الرشيدة، بل إن جميعها همشت ملف الفساد. فالأحزاب المكونة لحكومة الحبيب الصيد لا تطرح في برامجها السياسية مسألة محاربة الفساد كمسألة محورية، وإن كانت تدرج هذا الملف ضمن شعاراتها الانتخابية. والحال هذه أصبحت تلك الحكومة منذ تشكلها فاقدة لكل إرادة سياسية لمحاربة الفساد، لأن الأحزاب الموجودة في صلبها تتجنب الإحراج في طرح هذا الملف نظرا لعلاقتها بالمال السياسي وأيضا لعلاقتها برجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد، وكان ملف رجال الأعمال النقطة السوداء في سجل الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة . وكانت أحزاب المعارضة الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني، تطالب الحكومة الحالية بمحاربة الفساد، من أجل استرجاع الأموال المنهوبة. وكان الفساد استشرى في عهد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وبطانته التي استطاعت أن تحتكر لنفسها مع نهاية 2010 ما نسبته 21 بالمائة من أرباح القطاع الخاص في البلاد. وسمح نظام ابن علي خلال فترة حكمه التي استمرت 23 عاما، لعدد من أفراد عائلته وعائلة زوجته وعدد من أصهاره بالتحكم في مفاصل الاقتصاد التونسي ليمكنهم من مراكمة ثروات مشبوهة، تقدر ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار، قسم منها مستثمر في الداخل، وقسم آخر في الخارج، لاسيما في أوروبا التي باشرت بعض دولها تجميد أرصدة وحسابات تابعة لابن علي وزوجته ومقربين منه.وفضلاً عن ذلك، هناك الثروات التي نهبها رجال أعمال تونسيين (127)، وتقدر بنحو 8 آلاف مليار دينار تونسي، أي ما يعادل 4 مليارات دولار، من خزينة الدولة، تمثلت بالأساس في قروض تحصلوا عليها بطرق غير قانونية وسط صمت رهيب وعدم تدخل الدولة لاسترجاع ما نهبوه من قوت الشعب التونسي وأبرز هذه الأسماء التي تكشفهم الوثائق عائلة كمال اللطيف بـ79 مليار دينار تونسي، والمنصف السلامي 41.5 مليار دينار تونسي، وبوشماوي 49.9 مليار دينار تونسي، والطاهر العتروس بمبلغ مهول قدره 229.7 دينار تونسي مليار.. هذه القائمة دليل واضح أن البلاد ليست فقيرة وإنما تم تفقيرها، وهذا رد على قناة نسمة ومثيلاتها الذين سوقوا لنا الحالة الكارثية للاقتصاد وهذه الوثيقة دليل آخر على أن البطالة ليست قدرًا وإنما فرض.وأظهر تقرير مؤسسة «ويلث إكس» السنغافورية المتخصصة في جمع المعلومات حول أثرياء العالم وتوزيع الثروة للعام 2013 أي بعد عامين على رحيل نظام ابن علي أن عدد الأثرياء في تونس ارتفع بنسبة 16.2 بالمائة مقارنة بالعام 2012 ليبلغ عدد الأثرياء التونسيين الذين يملكون ثروات تفوق المليارات إلى 70 شخصا تقدر ثروتهم معا بـ9 مليارات دولار (18 مليار دينار تونسي) أي ما يعادل 257 مليون دينار للشخص الواحد ما جعل تونس تحتل المرتبة السابعة من حيث مجموع الأثرياء في القارة الإفريقية والمرتبة الأولى ضمن بلدان المغرب العربي. غير أن الخبراء الماليين يقولون إن النسبة العامة للأثرياء التونسيين ارتفعت خلال السنوات الأربع الماضية إلى حوالي 20 بالمائة لتستحوذ على حوالي 80 بالمائة من ثروات البلاد، في مجتمع تصل فيه نسبة الفقر في الجهات المحرومة وفي الأحياء الشعبية إلى 70 بالمائة، الأمر الذي يعد مؤشرا قويا على أن التونسيين لم يجنوا من سنوات الثروة سوى حالة عميقة من الفوارق الاجتماعية، في وقت كانوا ينتظرون فيه أن تقود ثورتهم إلى مجتمع أكثر توازنا بين فئاته من خلال تأمين الحد الأدنى من العدالة في تقاسم عائدات الخيرات.ويعرف الخبير الاقتصادي معز الجودي «أثرياء تونس الجدد» بـ«أثرياء التهريب والإرهاب وتهريب السلاح والبضائع الذين تمعشوا من الثورة وضعف أجهزة الدولة الرقابية».ويشدد الجودي على أن «هناك مافيا كبرى تعمل في مجال المحروقات وغيرها ومليارات يتم استعمالها لتهريب السلع من الجزائر وليبيا ويستثمرون في تهريب السلع»، مفيدا أن «هذا الاقتصاد الموازي ينخر الاقتصاد الرسمي إضافة إلى أنه يولد الإرهاب والتهريب ويفضي إلى تبييض الأموال». واحتلت تونس المرتبة الخامسة عالميا في تبييض الأموال، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية. ووفق تقرير نشره البنك الدولي في ديسمبر 2013، يتكبد الاقتصاد التونسي سنويا خسائر بقيمة 1.2 مليار دينار (حوالي 1 مليار دولار) بسبب «التجارة الموازية» مع الجارتين ليبيا والجزائر. وذكر البنك أن التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان «أكثر من نصف المبادلات مع ليبيا».وتقول السلطات التونسية إن ممارسة التجارة الموازية ضخت خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من 5 مليارات دينار (حوالي 2.5 مليار دولار) لفائدة شبكات الإرهاب التي يقودها «الأثرياء الجدد». أنماط استهلاك تظاهرية مع بروز «طبقة الأثرياء الجدد» اخترقت المجتمع التونسي ظاهرة ما يعرف في علم الاجتماع بـ«أنماط الاستهلاك التظاهري» لتتفشى سلوكيات استهلاكية لا تعكس فقط حدة الفوارق الاجتماعية، وإنما تؤجج لدى أكثر من 70 في المائة من التونسيين المنتمين للطبقتين الوسطى والفقيرة نوعا من الحقد الاجتماعي، يرافقه سخط على السلطة السياسية التي خذلت غالبية التونسيين بعد أن ساهمت سياساتها الفاشلة وغير العادلة في تقسيم الخارطة الاجتماعية إلى«ثلاث جزر» كل جزيرة تمثل «مجتمعا قائما بذاته»:«جزيرة الأغنياء» التي تعلو سلم الهرم الاجتماعي، «جزيرة الفئات الوسطى المتآكلة» و«جزيرة الفقراء»الغارقة في مستنقع الدرك الأسفل من الهرم.