19 سبتمبر 2025

تسجيل

عطفا على حرية الاعتقاد وعقوبة المرتد

19 فبراير 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عطفا على المقال السابق الذي تناول الحديث عن حرية الاعتقاد وإشكالية عقوبة المرتد، والذي بينت فيه ألا تعارض بين حرية الاعتقاد من جهة، ووجود عقوبة للمرتد من جهة أخرى، فقد دار نقاش بيني وبين بعض الزملاء حول المقال السابق في عدة نقاط، رأيت من المفيد طرحها تتمة للفائدة، واستكمالا للمناقشة، ويرى زميلي ما يلي : - تشبيه الردة بالخيانة العظمى، تشبيه غير مسلم وغير واقعي، بدليل وجود غير المسلمين في الدولة الإسلامية، ولم نعتبر إيمانهم بغير الإسلام ناقصا لولائهم للدولة. - في البلاد غير الإسلامية حاليا لو منعوا مواطنيهم من الدخول في الإسلام اعتبرنا ذلك موجبا للجهاد للدفاع عن حرية الدعوة، واختيار هذه الشعوب الدين الذي تدين به، واستنكرنا منع الحكام شعوبهم من اختيار الدين الذي يرونه لأنفسهم.- هل يمكن اعتبار الشرط في صلح الحديبية أساسا للتعامل مع المرتد، من يريد أن يسلم أهلا به، ومن أراد الكفر لا حاجة لنا به.وقبل الشروع في الرد على ذلك، هناك منطلقان للحديث عن حرية الاعتقاد، وتجريم الردة، والعقوبة عليها.- الأول: المسلمون ينطلقون من عقائد ثابتة أخبر بها القرآن والسنة من أن الكتب السماوية السابقة أصابها التحريف والتبديل، وأنه لا يوجد كتاب سماوي الآن يوثق بصحته، وأن يد التغيير والتحريف قد عملت في هذه الكتب؛ فلم يعد هناك ما يوثق بصحة نسبته إلى السماء سوى القرآن الكريم، وهذا ما أثبته القرآن الكريم في قوله تعالى " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " البقرة 79. كما اعترف بعض الأحبار والرهبان والقساوسة بوقوع هذا التبديل والتحريف في كتبهم..وهذا المعتقد ينعكس على الانطلاق في قضية المرتد، وأن الإسلام الدين الحق، ويتعذر أن يقال في المرتد: إنه تبين له الحق في غير الإسلام أما قضية الدعوة إلى غير الإسلام فأكبر أهدافها هو محاربة الإسلام والعمل على وقف انتشاره، لاستشعار أصحابها بالخطورة السياسية التي سيترتب عليها انحسار نفوذهم، وليست الهداية والحرص على خلاص الناس من النار هما الغاية والهدف في حقيقة الأمر. الثاني: إن المرتد الذي اقتنع بينه وبين نفسه ببطلان دين الإسلام وكونه دينا غير سماوي لاقتناعه بدين آخر أو عدم اقتناعه بدين آخر مطلقا يتحمل نتيجة وتبعة موقفه ما دام صاحب حق..ويتحمل العقوبة وأرجح أن تكون تعزيرية..أو يضحك على المجتمع ويقول الشهادة ويبقى على معتقده الذي يرى صوابه ويلقى الله عليه. وما من صاحب عقيدة صادق إلا ويتحمل من أجل عقيدته؛ فليتحمل إذن إن كان صادقا بحق، ويبقى الحكم على ما أسرت نفسه إلى من يعلم السر وأخفى في الآخرة.أما إجابتي على ملاحظات زميلي فأذكرها على النحو التالي: - تشبيه الردة بالخيانة لمسلم كان مسلما ثم ارتد واقعي جدا؛ ولا يقاس عليه غير المسلمين في الدولة الإسلامية؛ لأن هؤلاء متروك لهم حرية البقاء على دينهم، ومكفول لهم حرية الاعتقاد دون إكراه أو إجبار، بخلاف من أسلم طائعا مختارا عالما بالعقوبة إن هو ارتد، أو كان مسلما في الأصل ثم ارتد، فهذا قد أتى جريمة وفق التشريع الجنائي الإسلامي.والشارع الحكيم يميز في الأسماء والألفاظ تفريقا دقيقا لما يترتب عليها، فيقول: المشرك والكافر والمنافق والمرتد، ثم يميز أهل الكتاب فمنهم المعاهد والمستأمن والمحارب، وإن كانوا جميعا كفارا في المعتقد. وكل هؤلاء لا سبيل للدولة عليهم – باستثناء المحارب - إلا إذا أظهروا العداوة للمجتمع وأتوا أعمالا إجرامية من شأنها تقويض أركان الدولة، ومن يفعل ذلك يعاقب بعقوبة المحارب، وسواء كان المحارب مسلما أو غير مسلم، وﻻ معاقبة على ذات الكفر بدليل وجود اليهود والنصارى والمجوس في ديار المسلمين لا يتعرض لهم أحد، يمارسون شعائرهم، ويظهرون معتقداتهم، وهذا يؤكد أن المرتد يعد خائنا لا بد أن تكون له عقوبة أيا ما كانت، حتى نحافظ على كيان الدولة الموصوفة بالإسلامية، وقد اتفقت كل المذاهب الإسلامية على تجريم الردة وإن اختلفوا في العقوبة وتفصيلها. أما المرتد سرا فشأنه شأن المنافق، فهو وإن كان كافرا باطنا إلا أنه لا سبيل للتنقيب عما في قلبه، وهذا تطبيق لقاعدة أهل السنة التي تقول: الأحكام تجري على الظاهر والله يتولى السرائر. - في البلاد غير الإسلامية لا يعيرون مسألة دين المواطنين - أو عدم انتمائهم لدين أصلا - اهتماما إلا أن يسلم الكثيرون، ويشكل الدخول في الإسلام ظاهرة، حينذاك يظهرون العداوة ويتخذون الإجراءات والتدابير للحد من انتشار الظاهرة أو تقليصها.وفي الواقع حاليا من يسلم من غير المسلمين، أو من يكفر من المسلمين في بلاد غير المسلمين لا أحد يتدخل في هذا الشأن، ولا أحد منا يطالب بالجهاد دفاعا عن حرية الدعوة، نحن نطلب فقط الأمان في بلادنا ويتركوننا وحال سبيلنا، ويفتحون باب الحريات.- أما اعتبار الشرط في صلح الحديبية أساسا للتعامل مع المرتد، من يريد أن يسلم فأهلا به، ومن أراد الكفر فلا حاجة لنا به.. فأستطيع أن أقول الآن، في حالة توافر الحريات للمسلمين ولغيرهم على حد سواء، وليس فقط تتوافر الحريات لغير المسلمين ونحرم منها نحن، وتتوافر لدينا من القدرات والإمكانات، والمنابر الحرة لشرح الإسلام وتوضيحه، وقتها يمكن أن أقول: إن هذا الشرط يمكن أن يكون مقبولا، وهو ما يتماشى مع الواقع الذي أقرت فيه وثيقة صلح الحديبية، حين قامت للمسلمين دولة على أساس الإسلام، توافرت فيها الحريات، لأننا نوقن حينها أن من يسلم سيسلم بإرادة حقيقية، ومن يرتد يرتد عن بينة، ليس عن ترغيب أو ترهيب، أما الآن فليس من العدل ولا من الإنصاف أن نطرح ذلك، وأدوات التأثير والقوة جميعها بيد غير المسلمين، فضلا عن ضعف المسلمين وفقرهم وجهلهم بكثير من أحكام الإسلام، بفعل أعداء المسلمين، واتباعهم سياسة تجفيف منابع الدعوة، والحيلولة دون توضيح صورة الإسلام الصحيحة، فضلا عن خدمة بعض الدول المسلمة للغرب في هذا المضمار، ومحاربتهم للإسلام والمسلمين، وفتحهم الباب على مصراعيه للتنصير والتشيع والإلحاد والطعن في الإسلام وإثارة الشبهات، في وقت العلماء فيه إما في السجون أو في القبور أو في المنفى، كما لا يخفى على أحد.