17 سبتمبر 2025
تسجيلسيرة ذاتية طويلة وحافلة لهذا الإنسان، مليئة بالعطاء والوفاء لهذا الوطن، امتدت على مدى عقود من الزمن، ولم يقف هذا العطاء عند حد معين، بل تجاوز ذلك الى مشاركته في شتى المحافل والمناسبات الوطنية لخدمة قطر، سواء كان ذلك في السراء أم في الضراء. وعرف عنه ايضا أنه من الشخصيات القطرية القليلة والنادرة، التي برعت في مجال حفظ الموروث الشعبي والمحافظة عليه، من باب الغيرة على تراثنا وادبنا الشعبي على وجه الخصوص، فكان أحد أبرز أعلام هذا التراث الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيبة والمباركة.لقد غادرنا إلى الدار الآخرة قبل أيام الوجيه علي بن خميس بن عيسى بن زامل الكواري (1929 ـ 2015)، أبرز الرواة الثقات للموروث الشعبي على مستوى قطر، وقد عاصر الفقيد مجتمع الغوص على اللؤلؤ، وركب البحر، وعمل برتبة غيص (غواص) لعدة سنوات، ثم عمل نوخذاً (ربان سفينة) لمدة سنة، أما والده فهو من نواخذة الغوص في شمال قطر، وكان يمتلك بعض السفن، وعمل الفقيد في عدة وظائف في الدولة بعد كساد الغوص، منها العمل في الشركة (شركة النفط)، في أواخر خمسينيات القرن الماضي تقريباً، وعمل كذلك في (رئاسة المحاكم الشرعية) منذ سنة 1392 هجرية، وعين كذلك عضواً بـ (لجنة تسمية الشوارع) التابعة لوزارة الشؤون البلدية بجانب عمله في لجنة تثمين العقارات.وقد درس القرآن الكريم منذ صغره في بلدة (المروتة) بشمال شرق ساحل قطر، على يد احد مشايخ العلم ويدعى (غانم بن فرج). وسكن في شمال قطر بعدة مدن ومناطق منها: (المرونة)، و(فويرط)، و(سميسمة)، ثم نزح إلى (الدوحة) حيث سكن في (فريج ابن عمران) مع جماعته من (الزامل) ثم انتقل للمعيشة في منطقة (ازغوى) بقرب (الخريطيات)؛ وهي من ضواحي العاصمة، وظل فيها حتى مرضه ونقله للعلاج بمدينة (لندن) البريطانية ووفاته فيها، ومن ثم تم نقله لدفنه في وطنه، عليه رحمة الله.وعرف عن الوجيه علي تدينه وزهده في هذه الحياة، وورعه الذي اشتهر به، كما كان لا يؤدي فروض الصلاة إلا في المسجد، بجانب حرصه على تلاوة القرآن الكريم عقب كل صلاة، وانتظامه في صوم يومي الإثنين والخميس وصوم الصبريات بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، وإخراجه للزكاة في وقتها، ومساعدته للفقراء والمحتاجين طوال أيام حياته. وقد حظي الفقيد بتقدير كل أهل قطر، ولا أدل على ذلك من احتشادهم لاستقبال جثمانه الطاهر، والصلاة عليه من خلال التزاحم في تشييعه إلى مثواه الأخير.واشتهر الفقيد كأحد أهم أعلام "فن العرضة الحربية" في قطر، فقد كان يعرف اصولها منذ القدم ويحفظ أشعارها "شيلاتها" وأسلحتها المستخدمة فيها، وطريقة أدائها وقت النذير والحروب، وكذلك في المناسبات الاجتماعية والوطنية، كما كان شاهداً على هذا الفن القطري الاصيل الذي ورثه من أجداده، والذي يعد من أركان الهوية التراثية القطرية، وكان كذلك يشارك في احتفالات اليوم الوطني وبخاصة في "عرضة بني تميم" في منطقة "الوجبة" منذ سنة 2008 م، إبان عهد سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ومن بعده سمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وظل محافظاً على ذلك حتى أواخر سنوات حياته.وبعد تحرير الكويت الشقيقة من الغزو العراقي الغاشم، أقيمت في قطر "عرضات القبائل" ابتهاجا بالتحرير، ومنها "عرضة قبيلة البوكوارة" التي اقيمت تحديدا في أبريل 1991م ـ اذا لم تخني الذاكرة ـ بقرب دوار المرخية في الدوحة بمحاذاة "عرضة قبيلة النعيم".. كان الفقيد علي بن خميس أبرز رجال العرضة الحربية والشيالين الماهرين والمتحمسين في تلك المناسبة الوطنية المتميزة، حتى إنه في اليوم الأخير للعرضة حضر سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، برفقة رئيس مجلس الوزراء الأسبق الشيخ عبدالله بن خليفة آل ثاني وكذلك وزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، مع العديد من السفراء والوزراء ورجال الدولة وكبار الأعيان والوجهاء من أهل قطر، وأتذكر مشاركة أبناء سمو الأمير الوالد في تلك العرضة التاريخية، التي استمرت حتى وقت متأخر من الليل، ابتهاجاً بتحرير الكويت.وقد عرف عن الفقيد ولعُه بالموروث الشعبي القطري، وكان يحفظ الكثير من الأشعار النبطية، لنخبة من شعراء قطر الاوائل والرواد في هذا المجال؛ من أمثال: محمد الفيحاني ولحدان الكبيسي، وحسن بن فرحان النعيمي وجبر بن دلهم الكواري وصالح بن سلطان الكواري وسعد بن علي المهندي وابنه الشاعر عبدالله بن سعد المهندي واحمد بن علي بن شاهين الكواري، بجانب بعض شعراء نجد والجزيرة العربية مثل ابن لعبون والقاضي والهزاني ومحمد العوني، وغيرهم كثير. وقد أجرى تلفزيون قطر مع الفقيد عدة مقابلات تلفزيونية حول تراث قطر الشعبي والشعر النبطي، بشكل خاص، وحياة الغوص على اللؤلؤ، والتاريخ الاجتماعي للمجتمع القطري، قبل اكتشاف النفط في هذا الوطن، ضمن برنامج "شيء من الماضي" للمذيع والإعلامي حسن بن أحمد الحسن المهندي.ومن المواقف الوطنية التي تذكر في هذا المقام عن الفقيد الراحل انه كان مشاركاً فعالاً في افتتاح كأس آسيا لكرة القدم عام 2011 م، التي أقيمت على أرض الدوحة، وكانت من أنجح البطولات من ناحية حسن التنظيم، وقد شارك ـ رحمه الله ـ في حفل الافتتاح مخاطباً سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني راعي الحفل، حيث دار حوار بينهما بشكل مباشر، أثناء الحفل المبهر في ذلك التاريخ، وكان مما جاء ضمن ذلك الحوار على لسان الوجيه علي بن خميس: "أنت ما قصرت يا راعي العليا، ودست الصعب، وانت راعي الحمية، وانت راعي المعروف والاحسان، وشعب قطر كلهم يحبون قطر، وبيض الله وجهك يا "أبو مشعل". كلمة أخيرة:في كل يوم تخسر ساحتنا الثقافية والتراثية أحد أعلامها، ونتمنى من الجهات المسؤولة في الدولة، توثيق مسيرة هؤلاء الأعلام، الذين أحبوا هذه الأرض وأخلصوا لها حتى وفاتهم، عليهم رحمة الله جميعاً.. رحمك الله يا "أبو ناصر" وإلى جنان الخلود، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.