16 سبتمبر 2025

تسجيل

هل نحتاج لسماع مرافعات (داعش) عن نفسه؟

19 فبراير 2015

كثيرون يتساءلون عن تنظيم (داعش) - تنظيم الدولة الإسلامية - وعن هويته وعما إن كان صناعة مخابراتية لتحقيق غايات سياسية تصب في رصيد أعداء الأمة أو أنه مجموعة من المخلصين الفاقدين الوعي الذين لا يحسنون ترتيب الأولويات، أو أنه مجموعة محترمة من شباب الأمة الغيورين المظلومين في سمعتهم كمظلومية كل الإسلام والإسلاميين الذين يُشتمون ليل نهار؟، وأقول: * لندع التساؤل عن هوية هذا التنظيم وعن شخوصه وعمن صنعوه أو أوجدوه، فهذا مما سيظل موضع ظن ولن نخلص فيه ليقين، ولندع حادثة واحدة مشكوكا في حقيقتها وفي نسبتها وفي بنيتها الأساسية للحكم عليهم كذبح الواحد والعشرين قبطيا في ليبيا الأخيرة.. فذلك ليس هو الأهم بالمقارنة مع ما يقوم به (داعش) وما يؤثره على واقع الأمة وطموحاتها ومستقبلها، ولا هو الأهم بالنظر لما يقر به هذا التنظيم الشرير على نفسه وما ينشره على موقعه الإلكتروني والذي يتهم به ولا ينفيه.. العجيب اللافت أن كل عمليات هذا التنظيم وقاعدته الفكرية والتنظيمية تقع لصالح أعداء الأمة من حيث المتضرر والمستفيد ومن حيث التوقيت والإخراج.. * من نزع الله تعالى فرقانه هو فقط الذي لا يرى الفارق الكبير بين الصورة العامة للإسلام التي يصدرها (داعش) والصورة التي أراد رب الإسلام عز وجل أن يرسخها في أذهاننا وهو يوصي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)، أو في قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، أو تلك التي رسمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في دعائه: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به"، أو في وصيته بمصر والمصريين بقوله: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا فإن لهم ذمةً ورحمًا".. * الحقيقة أن الصورة الشائهة التي ترسمها هذه الفئة بنزقها ودمويتها وإرهابها هي تلك التي طالما حاول أعداء الإسلام إلصاقها به.. وذلك أهم من أي بحث حول شخوصهم وارتباطاتهم ونسبة جريمة واحدة أو اثنتين لهم..* أما قتل الواحد والعشرين قبطيا، فسواء قامت به (داعش) أو من يدعمون وجودها من نظم إرهابية أو النظام الانقلابي المصري تحديدا، فهو جريمة في كل الأحوال لا مبرر لها ولا تجوز في دين الإسلام، خاصة أن هؤلاء المذبوحين لم يُلق القبض عليهم في ساحات القتال ولم تعلن جهة ثورية بأنهم كانوا جزءا من الحرب على ليبيا.. والله تعالى يقول: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ). * ما يغلب على الظن هنا وبقرائن كثيرة تتجاوز التحليل والسياق إلى بنية الجريمة ذاتها، أن الذي وراء قتل الأقباط والمستفيد الوحيد من ذلك وسواء بيد (داعش) أو قاعدته أو غيرها، هو النظام المصري الانقلابي والمتمرد خليفة حفتر.. ولا يستبعد ذلك على أساس أن هذا النظام لا يمكن أن يقتل الأقباط الذين هم حلفاؤه وشعبه.. فمن يستبعد ذلك نذكره بأن بعض أهالي القتلى قالوا إن أبناءهم كانوا معتقلين في أحد سجون حفتر وبأن هذه الجرائم هي المتبقي الأوحد والهامش الأوسع الذي يمد في عمر وبقاء الانقلاب والذي يقدم له إكسير الحياة بتوفيره له مسوّغ ضرب الثورة والاستيلاء على بترول ليبيا وصرف الأنظار عن أفشاله المتراكمة على كل الصعد وعن جرائمه بحق شعبه، ويكسبه المزيد من التحالف في الداخل الوطني والخارج الإقليمي والدولي أو هكذا يتوقع!! فلماذا يستبعد إذن أن يقوم بالجريمة؟ ألم يقتل آلاف المصريين السلميين الصائمين الساجدين الراكعين في رابعة والنهضة وفي ماسبيرو والحرس؟ ألم يحرق المساجد والمصاحف بأهوائه السياسية والجرائمية؟ أم نسينا جريمة حسني مبارك ووزير داخليته الذي حوكم وأدين بتفجير كنيسة القديسين؟.* أما الذين ينشغلون بالصورة عن الجوهر ويفهمون أن كره (داعش) وغضبهم منها يجب أن يعني كره الإخوان وحماس وكل الحركات الإسلامية ويأخذون إحسان أحدهما وسلميته بفساد الآخر ودمويته ويمرر إعلام الانقلاب على عقولهم الخدع والأكاذيب.. فهؤلاء أيضا نسألهم: هل (داعش) أخطر من الانقلاب؟ وهل داعش تمثل كل الإسلاميين؟ وهل يصح عقلا أو خلقا أو دينا أو عدلا تحميل حماس والإخوان والسلفية ودعاة الإسلام مسؤولية أخطاء (داعش) وخطاياه وهو الذي يكفر الإخوان وحماس ويعتبرهم مرتدين ويتوعد بقتلهم قبل اليهود؟ أليس قد أعدم (داعش) بل ذبح قادة من جبهة النصرة ومن أحرار الشام في سوريا وقتل المجاهدين والثوار أكثر مما قاتلهم النظام الإرهابي هناك؟.* آخر القول: لو كان (داعش) من بيت النبوة - وحاشاه أن يكون - فإن ذلك لا يعني شيئا مقابل ما يقوم به هذا التنظيم الضال المضل من جرائم وتورطات لها طائل على كل الأمة وحاضرها ومستقبلها.. فإن جعلنا أعمال هذا التنظيم وثمارها مقياس تقويمه وتوصيفه، فلن نتردد في نبذه ورفض تقبله ولن نكون بحاجة لسماع مرافعته ودفاعه عن نفسه.