13 سبتمبر 2025

تسجيل

اصلاح خجول وصراع على مقعد الرئاسة (2)

19 فبراير 2014

الرئيس بوتفليقة الذي اعتقد الجميع أنه يحمل رؤية سياسية لحل أزمات الجزائر، تبين بالمكشوف أنه لا يمتلك أي مشروع سياسي، وأغرق نفسه في بالوعة الخطاب الشعبوي الذي صاغه في سياق حملته التي أطلقها بهدف استعادة هيبة الدولة من خلال المنطوق المفحم و»البروباجندا السلسة» في قطيعة مع الجزائر الحقيقية، أي جزائر المجتمع. فقد بالغ في قوته، وأفرط في الإعجاب بنفسه، وظل سجيناً لنظام من التفكير السياسي المتخلف المتغاضي عن الإصلاح الجوهري الحقيقي، الذي يعني للجزائريين لقمة العيش والشغل. ورغم كل المبادرات الكبيرة وما لفها من جدل، ورغم الكثير من المحاولات التي اشترحها بوتفليقة طوال حكمه، ورغم سفره الطويل بحثا في كل مكان عن دواء لمرض بلاده المستفحل، فإن الرئيس بوتفليقة أصبح عاجزاً عن تفكيك مؤسسات اقتصاد المافيا، وإخضاع المؤسسة العسكرية للسياسة الحكومية، وعزل وتعيين كبار رجال الدولة. فقد صرح بوتفليقة في عام 2000 أن سبعة عشر جنرالاً يحتكرون التجارة الخارجية للبلاد وأن مدير الجمارك وموظفيه غارقون بالرشاوى إلى ذقونهم. ويعرف أن الرشوة كلفت الجزائر أكثر من 36 مليار دولار حسب صحيفة الوطن القريبة من المؤسسة العسكرية، وأن هذه الأموال المسروقة ذهبت إلى الحسابات الخاصة بالجنرالات السبعة عشر في الخارج وبالتالي فإن أي حديث عن الإصلاحات سيكون غير ذي قيمة في ظل موازين القوى التي لم تمكن بوتفليقة من تغيير مدير الجمارك العامة الذي اتهمه علنا بالرشوة، فالرئيس بوتفليقة مقيد بأغلال من السلطة العسكرية الخفية، بحيث يبدو وكأنه زعيم معارضة لا زعيم دولة. ولم تشهد الجزائر منذ استقلالها دخولا مرتفعة في عائداتها النفطية كالتي دخلتها في العقد الماضي، فنتيجة ارتفاع أسعار النفط دخل إلى خزينة الدولة أكثر من 150 مليار دولار، ورغم ذلك فإن هذه الأموال لم تفلح في إنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي انتشر فيه الفقر بشكل مخيف، إذ تفيد تقارير رسمية أن عدد الفقراء في الجزائر يقدر بنحو 12 مليون فقير وهو ما يعادل 40 بالمئة من إجمالي السكان. فالدولة لديها الأموال، لكنها لا تستثمر أبداً، ومشاريع الخصخصة تراوح مكانها ورؤوس الأموال الأجنبية غير موجودة، باستثناء تلك المستثمرة في استغلال حقول النفط والغاز. ولقد تزايدت البطالة، خاصة عند الشباب وانخفضت القدرة الشرائية عند الجزائريين، وعرفت الجزائر مظاهر غريبة لم تعرفها طيلة تاريخها القديم والحديث، تمثلت في انتشار المخدرات والدعارة وظواهر الانتحار، والارتداد عن الإسلام لصالح المسيحية التي يدخلها 6 جزائريين كل يوم بحسب ما ذكرته مؤخراً صحف جزائرية. وأصبحت المحسوبية والرشوة والفساد الاقتصادي ومركزة الثروة في يد أقلية ما فتئت تصغر وتضيق في مواجهة جبهة الفقر والحاجة التي ما فتئت تتوسع. بيد أنه منذ إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 8 أبريل 2004 بنسبة 84.9%، وحصوله على «الشرعية الشعبية»، تحرر الرئيس بوتفليقة ومعه الفريق الذي يعمل معه، من وصاية الجيش على مؤسسة الرئاسة، وقرر أن يكون الرجل القوي في الولاية الرئاسية الثانية عبر إمساكه بيديه القرار في الجزائر، وإعادة صياغة الحياة السياسية في هذا البلد عبر تغيير المعادلات والموازين في القوى السياسية، بما يدعم مؤسسة الرئاسة على حساب المؤسسة العسكرية. في ظل استفحال المرض بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حان الوقت للرئيس الجزائري أن يفسح المجال للجيل الجديد كي يستلم رئاسة الدولة الجزائرية، لاسيَّما أن الجزائر تشبه وضع الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، رغم أن بوتفليقة حاول معالجة مشكلات عدة في بلاده حتى قبل انطلاق «الربيع العربي».ووسّع حرية الإعلام وزاد الرواتب مرّات عدة في سنوات قليلة، وحاول القيام بمشروعات للناس، لكن طبعاً هناك فساد كبير في الجزائر وبطالة كبيرة وفوضى. حاول بوتفليقة الانفتاح على إصلاح سياسي لكن بخجل، إلا أن ذلك كله قد لا يكون كافياً، وهو يستعمل ثروة بلاده لمنع الثورة والفوضى وتالياً الانهيار، علماً بأن في الجزائر مراكز قوة عدة مدنية واقتصادية وعسكرية، وقد يكون بوتفليقة رئيس الدولة أضعف واحد بينها.