11 سبتمبر 2025
تسجيلمؤسسات إعلامية لم تحترم نفسها ولم تحترم الجمهور والمشاهدين والمجتمع والرأي العام ككل. فالكثير من الفضائيات استغل الفضاء المفتوح للكسب السريع والربح السهل من خلال مادة هابطة وبرامج لا تمت بأية صلة للوظائف الرئيسية للمؤسسات الإعلامية والتي تتحدد في التربية والتعليم والإخبار والتسلية والترفيه. الفضاء الإعلامي المفتوح يضم اليوم أكثر من 150 قناة فضائية غنائية تبث ما يقارب نصف مليون رسالة يوميا، 80% منها يعتبر خدشا للحياء واختراقا لخصوصية المشاهد وتقاليده ودينه وقيمه. فالقناة الفضائية الواحدة تتلقى ما يزيد عن 33 ألف مكالمة في اليوم وتحقق أرباحا تتخطى العشرين مليون دولار في السنة. الرسائل التي تنقلها الفضائيات الهابطة تحرض على الفسوق والفجور وتسيء إلى الذوق العام. فهناك دعوة للفساد وقلة الحياء وممارسة الغزل على الهواء حيث نلاحظ عبارات الغزل الفاضحة، والاقتتال اللفظي والتلاسن البذيء وانتحال الألقاب والأسماء وتشويه سمعة الإناث. فالشباب، الذي يُعتبر الثروة الحيوية لأي مجتمع والذي يمثل أكثر من 70% من السكان، هو الضحية الأولى لهذه الممارسات اللاأخلاقية والبعيدة عن كل المبادئ والقيم والأسس والأخلاق التي يقوم عليها المجتمع. الهم الوحيد لهذه الفضائيات هو الكسب السريع والسهل مهما كان الثمن وبأية طريقة أو وسيلة كانت. الهدف الوحيد والمحدد الرئيس في هذه القنوات هو شهوة المال الحرام والأرباح الخيالية التي تأتي عن طريق تحنيط وتخدير عقول وقيم الشباب، فلذات أكبادنا. فالمؤسسة الإعلامية بدلا من التربية والتوعية والتثقيف والتوجيه الأخلاقي والديني، نراها بدلا من كل هذا تبث السموم وتحرض على الفسوق والانحلال الخلقي. فالفضائيات تحقق الأرباح، لكن بأية وسيلة؟ وعلى حساب من؟. فالفضائيات الغنائية أصبحت هي الوصفة الذهبية للثراء السريع. ثراء مع الأسف الشديد رخيص بلا قيم ولا مبادئ ولا أسس تحترم الأخلاق والآداب العامة والدين والعادات والتقاليد. فهذه الفضائيات تستغل مع الأسف الشديد الشباب المراهق الضعيف الذي عادة ما يحتاج إلى توجيه وتربية وتوعية حتى يستقيم عوده ويتحكم في نفسه وغرائزه وشهواته. الشباب في هذه المرحلة يحتاج إلى إعلام هادف يقوم على نشر القيم والخصال الحميدة وعلى تقديم مادة هادفة تساعد الشباب على تكوين شخصيته وتكوين ثقافة عامة يفهم من خلالها ما يدور من حوله سواء محليا أو إقليميا أو دوليا. تحولت بعض الفضائيات العربية إلى دكاكين ومقاه للغزل والمعاكسات على الهواء ومباشرة من أجل تحقيق الربح السريع والسهل وحتى ولو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ والأخلاق. بعض المؤسسات الإعلامية تقوم بممارسات إعلامية وبتقديم مادة إعلامية لا صلة لها لا بالقيم ولا بالأخلاق ولا بأي شيء يتناغم مع المنطق والواقع. إن الاهتمام بعنصر الشباب في الوطن العربي يعتبر من أولى الأولويات في مجال التنشئة الاجتماعية والتثقيف والتوعية والتربية والتعليم حيث إن الشباب يمثل أكثر من 70% من السكان في الدول العربية ويعتبر الثروة الحقيقية وبذلك يأتي الاستثمار في جيل المستقبل وفي ثروة البلاد كخطة استراتيجية ومنهج محوري ورئيسي لأية دولة عربية. لكن هل يعني كل هذا تقديم رسالة إعلامية هابطة للشباب بحجة أن «هذا ما يريده الشباب و يتلاءم مع أذواقه وحاجاته» هل يحق للمؤسسات الإعلامية والمسؤولين عليها للقائمين بالاتصال تذويب شبابنا في ثقافة الغير؟ هل يحق لنا تهميش وتسطيح أصالتنا وثقافتنا هويتنا وشخصيتنا؟ هل يحق لنا تغريب شبابنا وسلخه من جذوره الحقيقية ومن قيمه العربية الإسلامية؟ هل يحق للمؤسسة الإعلامية أن تنحرف و تنجرف وتسيء للأخلاق ولكرامة الإنسان وهي التي تدخل مجالس الناس بدون استئذان؟ أسئلة كثيرة تراود كل من له غيرة على أصله وشرفه وأخلاقه وقيمه بعد ما تخطت بعض المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي كل حدود الأخلاق والشرف والالتزام. في كل ما تقدم تستوقفنا أربع إشكاليات رئيسية في الممارسة الإعلامية. أولا البعد الأخلاقي وثانيا المسؤولية الاجتماعية وثالثا الحرية المسؤولة ورابعا غائية الممارسة الإعلامية هل هي الربح أم الذوبان في الآخر أم التنشئة الاجتماعية أم تكريس الوضع الراهن أم التهميش والإقصاء أم ماذا؟ انتشار الفضائيات الهابطة لا مبرر له سوى أنه تقليد أعمى للغرب ومتاجرة بشرف المهنة وأهدافها النبيلة. ومع الأسف الشديد انتشرت الظاهرة وتوغلت في أوساط المجتمعات النامية بحجة أن الجمهور حر في اختيار ما يتفق مع أذواقه وحاجاته. وهكذا نلاحظ نزوح فضائيات غنائية هابطة همها الوحيد هو تحقيق الربح عن طريق السماح للغزل والمعاكسات مباشرة وعلى الهواء. ففي الوقت الذي ينتظر فيه المجتمع المؤسسة الإعلامية بأن تقوم بدور التثقيف والتعليم والتربية وزيادة معارف وعلوم النشء يفاجأ بانتشار مؤسسات إعلامية تستمد مقوماتها وقيمها من مجتمعات وأوساط غريبة عجيبة بعيدة كل البعد عن المجتمع العربي الإسلامي. العبارة التي أصبحت متداولة في أوساط أصحاب تجار الفضائيات الهابطة هي «الجمهور عاوز كذا» «الجمهور يريد هذا النوع من الفضائيات و من الإعلام» وهذا انطلاقا من مبدأ احترام ذوق الجمهور و ما يريده. المغالطة الكبيرة هنا هي أن وسائل الإعلام هي التي تصقل أذواق الجمهور واحتياجاته وليس العكس. فالجمهور أو المستقبل عندما يتعود على سلعة إعلامية معينة فإنه يتبناها ويدمنها ويحبها مع مرور الزمن. فإذا عودنا الجمهور على مادة إعلامية محترمة، هادفة تسهم في تكوينه وتكوين شخصيته وتساعد على تطوير ثقافته السياسية وثقافته العامة فهذا الجمهور يصبح يبحث عن المادة الإعلامية الجادة والإعلام الهادف، أما إذا تخلى أصحاب المؤسسات الإعلامية عن المسؤولية الاجتماعية للإعلام ولم يتحملوا مسؤولياتهم أمام المجتمع وذهبوا يبحثون عن غرائز المراهقين وإثارة شعورهم وعاطفتهم وأحاسيسهم في هذه الحالة يعتبر تجار القنوات الهابطة مجرمين يبثون السموم في المجتمع وفي أكبر وأهم شريحة اجتماعية. فما يريده الجمهور هو ما تعوّد عليه وما قُدم له من رسائل من قبل وسائل الإعلام المختلفة. السؤال الذي نطرحه هنا ونحن نستعرض ظاهرة خطيرة تمس مؤسسة استراتيجية في المجتمع وتمس طاقة هامة جدا من طاقات المجتمع والتي بإمكانها أن تحل مشاكل عديدة وتسهم إسهاما كبيرا في عملية التنمية الشاملة، كيف نضع حدا لهذا التسيب ولهذا الانحراف ونضع المؤسسة الإعلامية في طريقها الصحيح؟ هناك حاجة ماسة لحث المجتمع على مقاطعة القنوات الفضائية الهابطة، واستثارة الرأي العام بجميع أطيافه وفئاته العمرية وحثهم على إبداء رفضهم لهذه القنوات. يجب على المجتمع المدني في أي بلد عربي أن يتحمل مسؤوليته ويعارض ويقاطع جملة وتفصيلا الممارسات اللاأخلاقية التي تقوم بها القنوات الهابطة والتي لا تمت بأي صلة للقيم والمبادئ والأخلاق العربية الإسلامية. فالموضوع يتطلب وقفة جادة وموقفا واضحا وصريحا لوضع حد للتلاعب بعواطف وغرائز فلذات أكبادنا.