14 سبتمبر 2025
تسجيلما رأينا الحق أوضح ولا أصرح مما رأيناه اليوم، وقد قامت الحجة وبانت المحجة، وتمايزت الصفوف وتجاهرت الولاءات، وانفرز الأصيل عن المزيف، والوطني الشريف عن الغث الخبيث، ليعلو من يعلو ويحيى عن بينة، وليسقط من يسقط ويهلك عن بينة، ثم لتتهيأ للحق أسباب النصر، والله تعالى يقول: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم).لقد انكشفت أحزاب وانفضحت نظم واتجاهات ، وانحط أشخاص وهبط علماء ودعاة؛ هم في الأصل أشرار أو سفهة وعوام وإن تبدّوا ببهر الإعلام أو المراكز التي يشغلونها شيئا آخر، فكان الناس يظنونهم من المقربين والأبرار.. هذا الانكشاف في حد ذاته هو إنجاز للثورات.. ولو أنها لم تحقق سواه في هذه المرحلة لكان إنجازا تاريخيا وهو أحد أهم أسباب النصر الكبير، لقد اختصرت الثورات بذلك عشرات السنين من التيه والعته الرسمي والفساد والانحراف والخيانة والاستبداد والخراب والتبعية وخلعت عن كل ذلك أغطية الوطنية والتدين وأردية العلم الشرعي والرواج الإعلامي وهتكت عنها أستار الواقعية والتقدمية والانفتاح والديمقراطية والمدنية ووو.. كان يمكن أن يستمر الضياع ويظل هؤلاء متربعين على عروش المجد والشهرة ويأكلون ويشربون بدينهم وعلمهم، وأن تظل الأمة به في ارتكاستها لولا أن الثورات قطعت عليهم الطريق وأقامت معادلات التمحيص والفرز والتزيّل.. مرة أخرى أعود للحديث عن هذه القلة المضللة من المشاهير والعلماء والدعاة الذين استطاع الشيطان أن يصطادهم، ثم يسلكهم في منعرجاته وتلبيساته، وأن يصيرهم بعد ألق العلم وجاه الدعوة مأكلة للوهم ومنهبا للشر ومطمعا لأهل الضلال، كما فعل بأسلافهم ممن قص القرآن علينا خبرهم أمثال بلعام بن باعوراء وأمية بن الصلت، الذين تنكروا للحق بعد أن عرفوه وعلموه الذي علموه وقص علينا القرآن خبرهم؛ ولكن قليلا من الناس من يتدبر القرآن: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون). قد يعذر الجاهل بعدم قدرته على فرز خير الخيرين أو شر الشرّين؛ ولكن هل يعذر عالم مؤتم به في زمن العولمة والإعلام العابر للقارات، ألا يفهم ما يقع في بلده وأقرب لأنفه من شاربه.. هل يعذر من ينتسب للعلم الشرعي والدعوة بعدم فهم أصول دينه، أو ألا يستوعب أوليات عقيدة الولاء والبراء، أو ألا يفرق بين الإسلام والكفر وبين الخير والشر وبين محاسن الأخلاق ومساوئها، وأن ما يريده تواضروس الصليبي في مصر وبشار الأسد الطائفي القاتل في سوريا مخالف للإسلام؟ أجزم ومن غير مبالغة أن الحق – في كل مشتبكات السياسة وفي كل مواقعنا ووقائعنا - أبلج من الصبح الصافي، وأجلى من الشمس في رابعة النهار.. ولنأخذ من مصر مثالا ومما وقع فيها وخالف فيه البعض شاهدا ودليلا. ألا يكفي أن يسفك الطاغية القتال الغدار دماء المصلين القائمين القانتين الصائمين ركعا وسجدا أمام مقر الحرس الجمهوري؟ وإن كان البعض يراهم جهلة أو مستعجلين أو لا يفهمون واقعية هو يفهمها أو كان ناقما على الإخوان لأنهم غلبوه أو غلبوا اتجاها أو حزبا يؤيده أو يتورط فيه؛ فهل ذلك يبرر قتلهم؟! وإن كان يتأول في هذه الدماء فليقارن الحاكمين والفترتين والدستورين.. وهل وضعه أئمة الفقه والقانون المنتخبون المعتمدون، ونوقش في وضح النهار، وأقر في استفتاء شفاف نزيه وبأغلبية الثلثين، ويحمي الشريعة ويحصن الثورة وينصف الفقراء، ويحفظ لمصر هويتها الإسلامية والعربية، هل يقارن هذا كله بـ"وثيقة الدم" التي فرضها العسكر، وسماها زورا وبهتانا (دستورا) ويقول عنه بابا الصليبيين: "أعاد مصر لمسيحيتها"، ووضعه دهاقنة العلمانية وعملاء الغرب و"الرقاصات" الذين عينهم شخص هو مجرد موظف في الدولة، إن كبر أو صغر، سوى عمليات التزوير والتزييف التي ظهرت حتى الآن والتي ستتوالى فضائحها من بعد؟! ألا يصلح شرع الله ميزانا للحكم على الفريقين؛ والله تعالى يقول: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، وهل يسوّى في الميزان هذا بذاك؟ ألا تصلح الأخلاق ميزانا للحكم على الفريقين؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وهل يسوّى في ميزان الأخلاق هذا وذاك؟ ألا تصلح الوطنية والسلمية ومصلحة الاستقرار المجتمعي وقوة واستقرار الدولة وقيم الثورة ميزانا للحكم على الفريقين؛ وهل يسوّى في نظر الوطنية والسلمية هذا بذاك؟ ألا تصلح قضية فلسطين وتجربة مائة سنة من الصدام العقدي والحضاري حولها ميزانا للحكم على الفريقين؛ وهل يسوّى في الحرص على فلسطين ومفاصلة العدو المحتل هذا بذاك؟ آخر القول: من كان مفتونا لعجز عن قول الحق حيث هو فأذكره بقول الله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)، ومن كان يتذرع برخصة للسكوت أو المداهنة فأذكره بقول "ابن حنبل رحمه الله" لمن نصحه بالترخص: (إن كان هذا عقلك فقد استرحت)، ومن كان يقدم مصالحه على مصالح دينه وأمته فأذكره بقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).