14 سبتمبر 2025
تسجيلعلى بعد شهور من الانتخابات النيابية القادمة، يسود الشارع السياسي هرج ومرج بخصوص قانون الانتخاب الأكثر تمثيلاً لإرادة الناخب اللبناني.. المشهد اليوم يختلف عن أي مشهد آخر، ليس لأن اللبنانيين يختبرون أول انتخابات برلمانية بعد أن نفضوا عنهم غبار الحرب الأهلية، وليس لأنهم منقسمون بين فرقين منذ العام 2005، وليس لأن سوريا غارقة حتى أذنيها في أتون صراع داخلي، ينتهزه لبنان لإزاحة الجسد السوري الجاثم على صدره منذ العام 1975. وإنما لأن إرادة كلّ زعيم سياسي هو البقاء في منصبه، ولو كان الثمن تدمير البلد فوق أهله.نجح لبنان حيث فشل الآخرون في تقنين الفكر الطائفي، وتظهيره، والتنظير له في المنطقة. وقد تفتقت قريحة السياسي اللبناني عن مشروع حلّ يعتبر "الترياق السحري" لكل مشاكلنا المزمنة. فخلاص الشعب اللبناني والشعوب العربية تكمن في "الديمقراطية الطائفية".والديمقراطية الطائفية بالمفهوم اللبناني هو أن تنتخب كلّ طائفة نوابها داخل البلد الواحد، وهو مشروع قانون نيابي تقدم بها نائب رئيس مجلس النواب الأسبق أيلي الفرزلي للكتل السياسية، وليست مزحة سمجة ألقاها للسخرية من رداءة الوضع السياسي اللبناني. طرح الفرزلي للقانون الذي يعرف بـ"مشروع القانون الأرثوذوكسي" يعود لأسباب عديدة منها أن الفرزلي الذي يرى نفسه الممثل الحقيقي للأقلية الأرثوذكسية في لبنان، وقد شغل أعلى منصب قد يصل إليه شخص من طائفته في التركيبة السياسية اللبنانية، كان قد خسر الانتخابات السابقة بسبب تحالف خصومه في قوى 14 آذار على إسقاطه. اليوم ينجح الفرزلي حيث فشل الآخرون، فقد تمكن من زرع الشقاق والتمزق داخل جسد قوى 14 آذار بعد أن عزف على وتر المظلومية المسيحية في لبنان.المسيحيون حكموا لبنان تاريخيا، وقد أدت الحرب اللبنانية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت إلى إعادة تركيبة الوضع السياسي في لبنان، متوجا بمؤتمر الطائف مطلع التسعينيات الذي نص على تقاسم المراكز السياسية بين المسلمين والمسيحيين مناصفة. نزع اتفاق الطائف صلاحيات رئيس الجمهورية التي أسست لديكتاتورية مسيحية فيما مضى إلى جعلها في يد مجلس الوزراء مجتمعا، على أن تكون رئاسة المجلس من نصيب الطائفة السنية.تقول الكتل المسيحية وعلى رأسها كتلة النائب ميشال عون: إن المسيحيين لا يستطيعون الإتيان بأكثر من 34 نائبا مسيحيا إلى البرلمان من أصل 64 نائبا مسيحيا في البرلمان بسبب هيمنة الناخب المسلم في الدوائر المسيحية، وأن المشروع الأرثوذكسي الانتخابي يعطي لكل طائفة الحق في انتخاب نوابها على امتداد لبنان. بمفهوم آخر فلو أن شخصا ماروني متزوج من أرثوذكسية، وقدر له أن يزوج ابنته لسني، وأن يتزوج ابنه من شيعية، ففي هذه الحالة كل فرد من أفراد البيت سوف يحق له التصويت للطائفة التي ينتمي لها فقط، دون اعتبار للبيت والعائلة التي تربطهم ولا المنطقة التي يعيشون فيها، طالما أن إخراج القيد ينص على أن كل فرد منهم ينتمي لطائفة مختلفة.والمنطق كان يفترض مراجعة الوضع العددي لكل طائفة في لبنان، إذا كان الجميع يرغب في جعل الطائفية هي البوصلة التي توجه البيت اللبناني، إذ لم يعد يتجاوز حجم المسيحيين عددا في لبنان عتبة 30% من مجموع الشعب اللبناني. ومن هنا فليس من حقهم المطالبة بأكثر من ثلث الوظائف في الدولة خلافا للمناصفة التي يتمسكون بها ويصرون على أنهم محرومون من حقوقهم، ثم إن استدعاء موضع "انتخاب المغتربين" عند كل ذكر لعدد المسيحيين لم يعد يجدي نفعا، إذ لا يعلم أحد عدد المغتربين اللبنانيين في الخارج، بل إن بعضهم خرج من لبنان إلى أمريكا اللاتينية قبل أن تولد دولة لبنان، وبعضهم – أي من ينحرون من أصول لبنانية - لا يعرف لبنان ولا يريد العودة له، ولا يربطه به رابط، ولا يتكلم العربية، ولا يمت للثقافة الشرقية بصلة.من هنا فإننا جميعا ننزلق إلى مستنقعات طائفية غرائزية فجة تنفي عنّا صفة الوطنية والانتماء، وتصبح الطائفة هي الوطن والحاضن والمرجع، وبهذه الحالة ينكفئ لبنان إلى ردة حضارية، تعيده إلى شرنقة الطائفية التي كان للغرب دور كبير في زرعها في تربة جبل لبنان قبل أن تتفشى على جميع الأرض اللبنانية.اليوم يتحول لبنان إلى أنموذج واعد للشرق الأوسط الجديد، وبما أن الصراع السني- الشيعي هو السائد في المنطقة، والصوت الأعلى في الفضائيات العربية، فلعل الحل الذي يقدمه لبنان إلى إخوانه العرب هو أن تنتخب كل طائفة نوابها، وتعين وزراءها، وتدير المؤسسات التي لها في سوريا والعراق والبحرين والسعودية ومصر والأردن وغيرها.. شخصيا لا أعتقد أن فكرا قد يسرع في تقسيم العالم العربي تمهيدا لإلغائه كليا من هذا الطرح ومن هذا المشروع.