09 نوفمبر 2025

تسجيل

سقوط الأوراق الصفراء

19 يناير 2011

قبل أن يتسلم السيد زين العابدين بن علي رئاسة الجمهورية التونسية وأثناء مرض المرحوم الحبيب بورقيبة كتبت مقالاً طالبت فيه، بل تمنيت فيه أن يتنازل المرحوم بورقيبة عن الحكم ويفسح المجال لغيره لقيادة تونس لأنه وصل إلى مرحلة من العجز والمرض والتقدم في السن تحول دونه ودون القيادة لهذا البلد العربي، وذكرت في ذلك المقال مآثر هذا الزعيم العربي وكفاحه ضد الاستعمار وتمنيت أن يختتم حياته الماضية بموقف شجاع يحفظ له تلك السيرة الخالدة من حياته، وأشرت في ذلك المقال إلى أن الحبيب بورقيبة أصبح ورقة صفراء يجب أن تسقط لتفسح المجال للأوراق الخضراء بالنمو والعطاء. لكن المرحوم بورقيبة رفض التنازل عن تلك الشجرة وعلقه عليها بعملية اصطناعية المنافقون والانتهازيون والمستفيدون من بقائه على رأس السلطة، لكن رياح التغيير كانت أقوى من هؤلاء وسقطت ورقة بورقيبة الصفراء. وسقوط ورقة بورقيبة الصفراء كان أمراً طبيعأً ومنطقياً وينسجم مع روح الحياة ودورتها لكن أغلب حكامنا العرب يتجاهلون هذه الحقيقة ويتشبثون بالحكم رغم أنهم أصبحوا أوراقاً صفراء يجب أن تسقط ويعتقدون أنهم لو صبغوا شواربهم ولحاهم باللون الأسود فإن ذلك يجعل أوراق حياتهم خضراء على شجرة الحكم، وهذا يذكرنا بطفل كان مولعاً بشجرة في غرفته وعندما جاء الخريف بدأت أوراق هذه الشجرة تميل إلى الاصفرار ثم تسقط فأحضر هذا الطفل طلاء أخضر وبدأ بصبغ الأوراق الصفراء باللون الأخضر ظناً منه أن هذا اللون الأخضر سيعيد إليها الحياة من جديد ويبقيها على غصنها لكنها سقطت ولم يدرك هذا الطفل أن سقوطها هو أمر حتمي وطبيعي، فهذه هي دورة الحياة ولم يدرك هذا الطفل أيضا أن سقوط هذه الأوراق الصفراء سيفسح المجال لأوراق خضراء أكثر جمالاً وأكثر عطاء وأكثر قوة. هذه القصة التي أوردتها بمقالي عن المرحوم بورقيبة وحال هذا المرحوم يشبه حال أغلب حكامنا العرب الذين أصبحوا أوراقاً صفراء ويجب أن تسقط لتفسح المجال لغيرها من الأوراق الخضراء لتعطي الحياة من جديد لشجرة الحياة، وهذا ما جعل الزعيم الفار زين العابدين بن علي يسقط ورقة صفراء لأنه لم يستفد من درس سلفه بورقيبة وبقي يحكم تونس لمدة 23 عاماً وتحول لونه إلى الأصفر وحان وقت سقوطه من شجرة الحكم منذ مدة طويلة لكنه تشبث بالحكم بقوة حرسه البوليسي وجماعته المتسلطة ورغم الصيحات الشعبية والمطالبات الجماهيرية بضرورة التغيير فإنه تمسك بالحكم وبدأ يصبغ ورقته الصفراء لكن الشعب التونسي ضاق ذرعاً وبلغ السيل الزبى فخرج بثورته الشعبية لإسقاط هذه الورقة الصفراء ولأنها ميتة وذابلة وضعيفة فقد عصفت بها الرياح لتسقط بعيداً عن أرض تونس. الآن وبعد سقوط ورقة بن علي الصفراء، هل ستصل هذه الرسالة إلى بقية الأوراق الصفراء التي لاتزال متشبثة على أغصان النظام الرسمي العربي، وهل ستسقط هذه الأوراق وتفسح المجال للأوراق الخضراء لتنمو وتزدهر في حياة الوطن العربي وتمنح الشعب الخضرة والأوكسجين والثمار، أم أنها سوف تستمر في اصفرارها وفي جفافها وفي قلة عطائها وفي جمودها وتحجرها وتترك الشعب جائعاً ومقيداً ومكبلاً وخائفاً وتستخدم وسائل قمعها وبطشها وقتلها لأبناء شعبها من أجل أن تبقى على سدة الحكم مهما كانت ألوانها ومهما مال لونها للاصفرار وحان وقت سقوطها؟ الشعب التونسي أرسل رسالة لهذه الأوراق الصفراء عندما أكد أن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر وترجم بحق قول شاعره: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر فقد أسقط هذا الشعب ورقة بن علي الصفراء بيده ليفسح المجال لأوراق خضراء بالنمو والعطاء وهذه هي دورة الحياة الطبيعية، فهل سيفهم الآخرون الرسالة؟!!