12 سبتمبر 2025
تسجيلشهدت الساحة الاقتصادية في قطر مع نهاية الأسبوع الماضي حدثين مهمين، الأول: إعلان مصرف قطر المركزي عن رفع معدلات الفائدة على الريال، في خطوة هي الأولى منذ أغسطس 2011، بعد أن سبقه إلى ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بليلة واحدة. والحدث الثاني هو الإعلان عن تقديرات الموازنة العامة للدولة للعام 2017. والحدثان يستحقان الوقوف عندهما لأهميتهما في التأثير على معطيات السيولة في الاقتصاد القطري في الفترة القادمة:وبالنسبة لقرار رفع معدلات الفائدة، نجد أنه يأتي انسجاما مع قرارات السياسة النقدية بربط سعر صرف الريال القطري بالدولار الأمريكي عند مستوى 3.64 ريال لكل دولار. الجدير بالذكر أن القرار شمل زيادة كل معدلات السياسة النقدية بواقع ربع نقطة مئوية، وهي معدل فائدة الإيداع لدى المصرف من البنوك لتصل إلى 1%، ومعدل فائدة الإقراض منه للبنوك لتصل إلى 4.75%، وسعر الريبو أي سعر إعادة شراء أوراق الدين من البنوك ليصل إلى 2.25%. ويؤدي قرار الرفع إلى بقاء الهامش بين سعر فائدة الإيداع على الريال ونظيره الأمريكي ما بين 0.25-0.5 نقطة مئوية، باعتبار أن الفائدة الاتحادية المناظرة على الدولار تتراوح ما بين 0.50-0.75 نقطة مئوية، وبالتالي يحافظ الهامش على استقرار سعر صرف الريال، ويحول دون الخروج من الريال إلى الدولار لأغراض المضاربة.ومن جهة أخرى يؤدي القرار إلى زيادة جاذبية الودائع بالدولار لدى البنوك المحلية، حيث ترتفع حصيلة الفائدة أو المرابحة عليها، بعد أن كانت متدنية جدًا في السنوات الخمس الماضية. وفي المقابل فإن رفع معدل فائدة الإقراض يمثل زيادة في تكلفة الاقتراض للأفراد أو الشركات والمشروعات، وذلك يعمل على زيادة تكلفة إقامة المشروعات، وتكاليف التشغيل، ويعزز من إقبال أصحاب رؤوس الأموال على البدائل الأخرى ومنها بالطبع الودائع المصرفية. وتأثير هكذا قرار على تداولات البورصة يكون سلبيًا نتيجة لسحبه جانبا من السيولة من أنشطة التداول إلى سوق الودائع. وقد حدثت بعض هذه التأثيرات يوم الخميس الماضي، ولكن بشكل محدود باعتبار أن معدلات الفائدة على الريال لا تزال عند مستويات متدنية جدًا.ومن جهة أخرى شكلت تقديرات الموازنة العامة للدولة للعام 2017 تحسنًا ملحوظًا؛ سواء لجهة زيادة الإيرادات، أو خفض المصروفات، أو تقليص العجز المتوقع. فمن حيث الإيرادات ارتفعت التقديرات بنسبة 9% إلى 170 مليار ريال رغم أن السعر المعتمد في الموازنة قد انخفض 3 دولارات إلى 45 دولارا للبرميل. وجاء انخفاض السعر المعتمد على هذا النحو لعاملين الأول أن السعر الفعلي لنفط الأوبك في عام 2016 قد بلغ نحو 40 دولارًا للبرميل، والثاني أن مستويات السعر الأخيرة -بعد اتفاق منتجي النفط على خفض إنتاجهم- قد تجاوزت خمسين دولارًا للبرميل. وعليه فإن اعتماد سعر وسطي 45 دولارًا للبرميل، يظل منطقيًا وأقرب للتحوط. وقد نتجت الزيادة في تقديرات الإيرادات عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة المالية لزيادة الإيرادات الأخرى غير النفطية. وفي المقابل تم ضغط إجمالي المصروفات بنسبة 2% إلى 198.4 مليار ريال، وجاء التخفيض محصلة لانخفاض المصروفات الجارية، ومخصصات الرواتب والأجور، مع ارتفاع مخصصات المشروعات الرئيسية، والمصروفات الرأسمالية الثانوية. وقد قيل في تخفيض المخصصات أنه نتيجة نجاح العمل على تحقيق الاستغلال الأمثل لمخصصات المصروفات الجارية، ودمج بعض الوزارات، بينما تمت زيادة الإنفاق على المشروعات لاستكمال إقامة مشاريع البنية التحتية وتجهيز بعض المرافق. وبالمحصلة؛ انخفض العجز التقديري للموازنة العامة بنسبة 39.1% إلى 28.3 مليار ريال. وهذا المستوى من المصروفات يضمن استمرار النمو الاقتصادي الحقيقي بنسبة 3.4% في عام 2017، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي. ولكن سيترتب على وجود عجز بقيمة 28.3 مليار ريال أن يضغط ذلك على السيولة المحلية المتاحة، ويزيد من انكشاف نسبة القروض إلى الودائع في الجهاز المصرفي. وإذا كان تمويل العجز سيتم من الخارج، فإن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي سترتفع إلى 135% وفقًا لتوقعات سابقة لصندوق النقد الدولي لعام 2017.