19 سبتمبر 2025
تسجيلمطلوب من حماس وجدير بها أن تذكّر اليوم بأنها أكبر حجما وأكثر جمعا وأعمق أثرا وأشد ردعا وأثبت بقاء مما يتخوفه عليها أنصارها ومما يتمناه من سوء لها أعداؤها الذين يتوهمون أنها صارت في الربع ساعة الأخيرة من عمر وبقاء مشروعها ووجودها.. بعد أن صارت معركتها معهم " معركة كسر عظم " وصار تحريضهم عليها وتبني المواقف الصهيونية ضدها مباشرا وعلنيا كما يفعل اليوم محمود عباس وكما تفعل أجهزته الأمنية والإعلامية وأجهزة أخرى خارج وداخل الإقليم الفلسطيني..احتفالات حماس في هذه الذكرى هذا العام ليست كأي احتفال سبقها لا في شكله ولا مضمونه ولا سياقه، وليس هو رد لفظي أو ميكروفوني عندما تجوب فضاء غزة طائرات حماس تصور احتفالها ويتجاهل العدو هذا التحدي معلنا أن غزة خارج مجاله الجوي.. احتفالات حماس ليست مجرد شجب مزاعمي خطابي فارط بليد عندما تجتمع قيادات صفها الأول العسكرية والأمنية والسياسية والفكرية في بؤرة مكان يستطيع العدو قصفه بقذيفة واحدة فيقضي على العشرات منهم!! ثم لا يفعل.. احتفالات حماس ليست ردا ارتجاليا صوريا ادعائيا وهي تستعرض كتائبها المسلحة بكل فروعها واختصاصاتها وتستعرض أسلحتها ونماذج من صواريخها التي لم تستخدمها بعد وعندما تهدد العدو وأذنابه وتستدعي صورة ذهنية مقررة في وجدانه عما تستطيعه ضده.. السؤال المركزي هنا.. من أين لحماس بهذه القوة والمكنة بعد ثماني سنوات عجاف من الحصار والإيلام والإعواز، وبعد ثلاثة حروب كبيرة استهدفت وجودها وحاضنتها الشعبية في ست سنوات؟ وهل لا تزال لديها هوامش مناورة وقدرة عملية حقيقية على الاستمرار بعد كل هذه المتغيرات في خريطة الإمكانات السياسية والميدانية والتحالفات؟ أم أن احتفالات حماس ودعاواها مجرد " حلاوة روح " قبيل هزيمة ماحقة ساحقة لن يشفع فيها نوعية الرجال الذين تتحرك بهم حماس ولا نوعية السلاح الذي تملكه.. وأقول: حماس تملك عدة قوى غير قابلة للنفاذ ؛ فالقضية الفلسطينية متشابكة ومتشاركة وملتحمة مع الوطنية الفلسطينية ومع الثورة، وفلسطين ملتحمة مع الأمة تاريخا وعقيدة وجغرافية، والأمة العربية ثم الإسلامية كل متكامل ووصل متواصل مهما فرقتهم الحدود.. وذلك يجعل حماس في سند من الشرعية الوطنية والدينية والتاريخية، ويكسبها عمقا استراتيجيا في الوجود والبقاء وحاضنة شعبية متماسكة لا تتفكك بتهديد ولا تتغير بتحويل أو تمويل.. هذه الميزة برزت قيمتها وأثرها في كل مرة استهدفت أو تعرضت فيها حماس لتحدي وجود كانتخابات 2006 التي وضعتها - وضعت حماس - بين الوجود والعدم وكالعدوانات الثلاثة والحصار الذي تعرضت له ولا تزال.. وحماس تنتهج خط المقاومة وتحقق به انتصارات وتقدم فيه التضحيات وقد قدمت منذ انطلاقها في الـ1987 أكثر من ثمانين شخصية قيادية من قيادات الصف الأول بمن فيهم المؤسسون يضاف لهم أمجاد الإخوان في فلسطين وحواليها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.. ذلك قد أكسب حماس ثباتا موضوعيا على ثوابت القضية وأحق بالحقوقية القانونية والأخلاقية، جعلها تصمد أمام التخويف والإرجاف والإجحاف وأمام الإغواء والإغراق والإغراء.. وإن كان قد تفكك حلف حماس الإقليمي - سوريا وإيران وحزب نصر الله – على إثر الانفكاك المذهبي والطائفي وبعد الانقلاب المصري.. وقد صعّب ذلك معادلاتها وضاعف تحدياتها وضيّق هوامشها.. ولكن هل خصوم حماس وعلى رأسهم الكيان الاحتلالي الصهيوني أقل مأزومية وأكثر ارتياحا منها ؛ أم أن أزمتهم أعمق وأكبر من أزمتها؟ أليس الكيان مهددا من شماله وجنوبه ومن المشروع النووي الإيراني ومن الثورات العربية؟ أليست متوقفة الهجرات الاستيطانية إلى الكيان؟ أليس قد انكفأ المشروع الصهيوني وانقلبت حاجة الغرب الاستعمارية له؟ أليس قد صار عاجزا عن أن يحسم أي معركة حقيقية سياسية أو عسكرية مع حماس أو سواها من أعدائه في المنطقة؟ والمتآمرون المتدهنون به خدام التسوية والتعاون الاستخباري أليس قد ماتت تسويتهم وبانت قباحتهم وانكشفت خيانتهم؟ وهل صاروا إلا يتدارأون من خزيهم وتهتك قيمهم؟ وهذه قوة أخرى لحماس مصدرها ضعفهم وفرجا لها من أزمتهم ونجاحا يسجل لها من فشلهم وتألقا تناله من سوادهم وظلامهم وخرابهم.. فكيف إذا جمعنا مع ما سبق انفتاح حماس وبراغماتيتها وقدرتها وحقها في المناورة بين دحلان وعباس وبين إيران وجبهة أعدائها الإقليميين، وقدرتها على تجر أي معركة مع أي خصم إلى معركة مع الاحتلال مع ما يجره ذلك عليهم من الإرباك وخلط الأوراق وما يعكسه عليها من إمكانات مضافة؟ آخر القول: إن قوة حماس لا تنحصر في قوة الساعد والسلاح – على أهميتها - ولكنها تجمع معها قوة العزم وقوة الشرعية، وقوة الحاضنة الوطنية والإقليمية والدولية والقانونية والأخلاقية، وقوتها في ضعف جبهة أعدائها بما يضمن لها القدرة على إرهاقهم ويحصنها أمام مؤامراتهم..