11 سبتمبر 2025

تسجيل

العنف والجريمة والإرهاب 1

18 نوفمبر 2020

أولاً: العنف السياسي: باعتباره وسيلة للتعبير عن الرأي السياسي والحصول على الشرعية، أو كونه وسيلة للانتصار السياسي على الخصم، هو الذي يقوم به فاعله ابتداءً لتحقيق هدف سياسي أو للتعبير عن موقف سياسي، أو يقوم به فاعله رداً على موقف أو حالة أو عنف سياسي مسلح. وثمة شبه اتفاق بين أغلب الدارسين لظاهرة العنف السياسي على أن العنف يصبح سياسياً عندما تكون أهدافه أو دوافعه سياسية رغم الاختلاف بينهم في تحديد طبيعة هذه الأهداف ونوعيتها وطبيعة القوى المرتبطة بها، ومن هنا عُرفَ العنف السياسي بأنه “استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين لتحقيق أهداف سياسية”. ومن هنا قد تمارس السلطة السياسية العنف لغاية إخضاع خصومها، وضرب القوى التي تمثل تحدياً لها، وقد تلجأ القوى المعارضة إلى العنف السياسي، وذلك لتحقيق غاياتها في الوصول إلى السلطة. وهناك أمثلة تاريخية على دور العنف ففي (إيطاليا) أثناء عهد موسوليني، كان للفعل العسكري والعنف القومي مكانة مقدسة، ليس كمكونين أساسيين للحفاظ على الأمن الوطني فحسب، وإنما باعتبارهما أعلى أشكال وأسمى درجات الحياة الوطنية، وتم تعريف الحرب ليس باعتبارها مسألة ضرورية لبناء الإمبراطورية العظمى الجديدة فحسب، وإنما كمتطلب أساسي للدولة ولصحة الشعب الإيطالي، بل إن الحرب كانت تعتبر الاختيار الحقيقي الفعلي لأي أمة، ومن دونها لا يمكن أن يولد الإنسان الإيطالي الجديد ولولاها يصبح الاضمحلال والتدهور حتمياً. تعتبر ظاهرة العنف السياسي في مدن الدول المتقدمة موجودة منذ القدم، وفي إطار تناول ظاهرة العنف السياسي في العالم المتقدم نجد أن باريس من أكثر مدن العالم المتقدم في العنف السياسي، حيث نجد في عام 1968م بداية لظهور العنف السياسي في باريس عن طريق اليسار المتطرف بعد أحداث شهر مايو حيث ادى إلى مقتل وإصابة المئات من المتظاهرين، وفي بعض مدن إيطاليا ظهرت انفعالات شعبية عميقة فجرها اليسار المتطرف في مدريد وميلانو. وهناك إستراتيجيات تضعها الأحزاب السياسية للهجوم المتعمد على الأنظمة السياسية الحاكمة والأماكن التي تدعم الحياة الحضرية والمدنية الأكثر تطوراً منذ الإبادة الحضرية الشاملة (في فترة العصور المظلمة) مروراً بحقبة ما بعد الاستعمار، ومع انتشار الحروب الدموية في الكثير من أرجاء مدن العالم المتقدمة، أصبح سريان العنف السياسي المنظم داخل المدن وأنظمتها مؤقتاً لأنه يعتزم تغيير الكثير من المناطق الحضرية، وذلك ما يحدث الآن في العالم المتقدم من زعزعة الاستقرار والتهجير القسري وإبادة السكان. تمثل بعض المجاميع المنظمة شكلاً آخر من أشكال العنف، وهو العنف المنظم، فتنشط بعض الحركات والتجمعات التي تحاول تحقيق مطالبها عن طريق العنف وظهرت هذه المجاميع إثر ردة فعل للفراغ الروحي الذي أصاب الكثير من المجتمعات، كما هو الحال في البلاد الأوروبية وأمريكا واليابان، واستخدمت شتى الوسائل في سبيل نشر مبادئها، وتجدر الإشارة إلى أن تأثير هذه الجماعات قد وصل إلى المنطقة الإسلامية كما حدث في مصر، واتخذت بعض الأحزاب والمنظمات السياسية العنف شعاراً لها سواء ما كان منها يهدف إلى مطالب مشروعة أو غير مشروعة، وقد ارتمت بعض الحركات الرامية إلى تحقيق أهداف مشروعة كبيرة في اتجاه العنف من حيث لا تدري، فأصيبت بنتائج خاسرة، لم تسلم الحركات التي تدعي الأخذ بالنهج الإسلامي من الوقوع تحت تأثير العنف كما حدث في شمال أفريقيا وأفغانستان والباكستان وغيرها من بلاد المسلمين، فأصبح العنف شعاراً رئيسياً لها، ونست أن هذا الدين الحنيف قد جاء بمبادئ السلام والأمن ونهى عن كل مظهر من مظاهر العنف والإرهاب كما أشار القرآن الكريم لذلك بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) (النحل: 125) وكما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وعترته أهل بيته في سيرتهم وتعاملهم الحسن وعفوهم حتى عن أعدائهم، فقد عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان وقال قولته الشهيرة:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». وعفى صلى الله عليه و سلم عن هند وعفى عمن كانوا يهجوه، وهكذا كان خلق أمير المؤمنين في معاركه مع خصومه مما يثبت بالدليل القاطع أن صفة العنف لا تنسجم مع المنهج الإسلامي الذي يرفض أسلوب القسوة والفرض كما قال تعالى:( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، بل وعد الله تعالى بالأجر والمغفرة للذين يعفوا ويصفحوا عن المخالفين قال تعالى:( وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (النور)