10 سبتمبر 2025

تسجيل

في الإرهاب الفكري والإفلاس الأخلاقي

18 نوفمبر 2017

 تعيش الممارسة الإعلامية هذه الأيام إفلاسا أخلاقيا لا مثيل له حيث انحرف مسار الصحافة من السلطة الرابعة إلى التضليل الشامل حيث تلاشت صحافة الاستقصاء لحساب صحافة فبركة الواقع وصناعة الرأي العام وفق ما تمليه القوى السياسية والمالية. تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا في رؤيتنا وتصورنا للآخرين وهذا وفق ما تقدمه لنا من صور وأفكار عنهم، وما يقال عن الأفراد يقال عن الدول والمجتمعات. فما نشاهده في الأفلام وما نتصفحه في الجرائد والمجلات وما نشاهده في التلفزيون وما نسمعه في الراديو عن المجتمعات الأخرى وعن شعوبها يحدد إلى حد كبير موقفنا من هذه الثقافات ومن هذه الدول وشعوبها وهذا نظرا لاعتبارات عديدة من أهمها أن معظمنا يعتمد على وسائل الإعلام لتكوين مخزون معرفي معين وصور ذهنية. وفي الكثير من الأحيان لا يستطيع الفرد أن يصمد أمام ما يقدم له وإنما في غالب الأحيان يقف مستسلما ولا يقاوم وإنما يتبنى ويتقبل خاصة في الأمور التي تخرج عن اختصاصه ومعارفه. لقد أكدت الدراسات العديدة أن هنالك علاقة ارتباطية إيجابية بين الصور الذهنية والنمطية حول الدول وتأثيراتها في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فيما بينها. فهذه الصور تؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صنع السياسة الخارجية نحو هذا البلد أو ذاك. وأغلب الظن فإن الدولة التي تصوّر بطريقة سلبية وتعرض بصور نمطية وأفكار مضللة متحيزة ستجني رأيا عاما سلبيا وبذلك ستكون في آخر قائمة الدول الصديقة والدول التي تتمتع بتبادل تجاري واقتصادي وثقافي معتبر، بل على العكس ستكون في أول قائمة الأعداء الذين تطبق عليهم سياسات التهميش أو الاحتواء والحصار الاقتصادي...الخ. من هذا المنظور نحاول أن نلقي الضوء على سلوكيات وتصرفات وسائل الإعلام الغربية تجاه العرب. وهذه المسألة بطبيعة الحال ونظرا لأهميتها يجب أن تحظى باهتمام كبير من قبل الساسة العرب وأصحاب القرار السياسي لما تحتويه من أهمية إستراتيجية. وفي هذا الإطار نلاحظ أن الأمة العربية تواجه منذ عقود عديدة من الزمن مواجهات وتحديات خطرة ترتبط بصورتها القومية في وسائل الإعلام الغربية. والغريب في الأمر أن الدراسات التي عالجت موضوع صورة العرب في وسائل الإعلام الغربية جاء معظمها على يد باحثين غربيين، وقلة قليلة من العرب فقط اهتموا بدراسة هذه الإشكالية. وفي معظمها أكدت الدراسات والأبحاث العلمية أن وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية منها من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن العرب في مختلف المجالات والمضامين. وهذه الصور النمطية تكون في معظم الأحيان نتيجة لأفكار مسبقة ولحقد على الأمة العربية ولجهل تاريخ العرب وحضارتهم وثقافتهم وأخيرا للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما الآليات والميكانيزمات التي تحكم التغطية الإعلامية للعرب في الوسائل الإعلامية الغربية وما المحددات التي توجّه تلك التغطية في هذا الاتجاه أو ذاك. واهتمام الغرب بتغطية الشؤون العربية ارتبط باكتشاف البترول بالمنطقة والحروب التحريرية التي خاضتها بعض الدول وكذلك القضية الفلسطينية ثم حرب 1967م و1973م ثم ثورة الحجارة والانتفاضة. وبطبيعة الحال فإن أي تغطية إعلامية تحددها عوامل عدة أهمها العلاقة التي تربط الدول العربية بالدول الغربية في المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي...إلخ وكذلك الأبعاد الثقافية والحضارية والدينية، فكلما كان هنالك تقارب في هذه العوامل كان هنالك تفهم للطرف الآخر والعكس صحيح عندما يسود الجهل واللامبالاة. وهذا يعني أن وسائل الإعلام هي مؤسسات تعكس النظام التي تعيش فيه والتي هي جزء منه ولا تستطيع الخروج منه والواقع هذا يتمثل في القيم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها وهذه القيم قد تتناقض مع مجتمعات وثقافات أخرى كما هو الحال بالنسبة للإسلام مثلا. وسائل الإعلام كذلك مقيّدة بآليات سياسة الدولة حيث إنها بطريقة أو بأخرى تمثل هذه السياسة وتدافع عن النظام التي تعمل في إطاره. فلو نأخذ الولايات المتحدة كمثال نلاحظ أنه خلال الخمسة عقود الماضية اتسمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بولائها الأعمى لإسرائيل وعدائها الشديد للعرب. حتى أصبح نجاح المرشح للرئاسيات الأمريكية مرهونا بولائه للوبي الصهيوني وللكيان الإسرائيلي وبتعهده ووفائه لخدمة الدولة العبرية. وهنا يأتي من دون شك دور جماعات الضغط والأحزاب السياسية واللوبيات التي تعمل جاهدة للتأثير في صناع القرار في اتخاذ الموقف الذي يخدم مصالحها وأهدافها. فالحركة الصهيونية عبر تنظيماتها المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تسيطر على الصناعات الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر وهذا عملا بتوجيهات وتوصيات بروتوكول حكماء صهيون. والأخطر من هذا أن رؤوس الأموال الصهيونية توظف في المقام الأول في وسائل الإعلام والصناعات الثقافية وفي الوسائط التي تؤثر في الرأي العام. فالنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية وظف بطريقة منظمة ومنهجية من أجل تقديم صور ذهنية وصور قومية عن العرب بما يخدم المصالح الصهيونية بالدرجة الأولى. وبطبيعة الحال ما يخدم المصلحة الصهيونية هو تشويه سمعة العرب وتقديم صور نمطية تجعل الرأي العام يتخذ موقفا معاديا وسلبيا ضد كل ما هو عربي ومسلم وهذا الرأي العام يسّهل بطبيعة الحال مهمة المشرع وصاحب القرار في عملية اتخاذ إجراءات وقرارات تضر بالعرب وبالمسلمين وبمصالحهم وتساند وتساعد الكيان الصهيوني من دون نقاش ولا مساءلة. عند الكلام عن مخرجات المؤسسات الإعلامية يجب علينا النظر إلى الضغوط التنظيمية وإلى القوانين والأعراف والأحكام والقيم التي تسيّر العمل الصحفي. فالمؤسسة الإعلامية هي مؤسسة تجارية بالدرجة الأولى تمثل وتعبر عن البنية الفوقية والتي هي عبارة عن جملة المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد وغيرها، والمؤسسة الإعلامية مطالبة على المحافظة عليها وترسيخها. والصحفي ما هو إلا نتاج المجتمع ونتاج هذه القيم والتقاليد وبذلك فإننا نجده من خلال الميكانيزمات التي تربطه بالمؤسسة الإعلامية يعمل على تثبيت وترسيخ شرعية النظام والقيم التي تحكم هذا النظام، وللعلم قد تكون بعض هذه القيم أو المبادئ غير سليمة أو تتناقض مع القيم الإنسانية العالمية. ونظرا للضغوط المهنية المختلفة ولضيق الوقت ولسرعة العمل وتنفيذه يجد القائم بالاتصال نفسه في صراع دائم مع الزمن ومع هذه الضغوط الأمر الذي يحرمه من التأمل ومساءلة الواقع والآلية والوتيرة التي تسير وفقها الأحداث. ونتيجة لكل هذا يذوب هذا الصحفي في النظام ويصبح جزءا لا يتجزأ منه لا يفكر أبدًا في تحديه أو رفضه أو مقاومته، وبذلك تصبح الصورة الذهنية والصور النمطية عن العرب جزء من المخزون المعرفي والإطار المرجعي اللذين يملكهما هذا الصحفي ويتقيد بهما في عمله وإنتاجه. وحتى مبدأ الموضوعية في الغرب كان دائما مرتبطا بعملية تنظيم الخبر وترتيب عناصره وإبراز مختلف وجهات النظر لكن دون مساءلة الأفكار المسبقة والأفكار القيمية والصور النمطية. فالموضوعية عندهم أصبحت عملية حسابية أكثر من أي شيء أخر.