16 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولار الحائر.. والمستثمر الخائف

18 نوفمبر 2015

ظل الدولار في مصر حائرا بين الصعود والهبوط في فترات متباعدة وكأنه دمية في يد محافظي البنك المركزي يحركونها إلى أعلى أو إلى أسفل وفق رؤية ذاتية أو مبنية على دراسات ناقصة لم تقدم أي جديد في صالح الاقتصاد، ففي شهر أكتوبر الماضي تم خفض قيمة الجنيه المصري على مرحلتين، وفي نوفمبر الجاري تم رفعه للمرة الأولى في مواجهة الدولار، بعد عرض 40 مليون دولار على البنوك بالسعر المخفض، وقد أربك ذلك المستثمرين وتجار العملة الذي يحتفظون بكميات كبيرة من الدولار، وزاد تخوفهم وعدم ثقتهم في الاقتصاد، بعد أن ارتفع ارتفاعا كبيرا في الشهور الماضية مقابل الجنيه، ووصل إلى أعلى معدل له، في حين انخفض سعر الجنيه إلى أدنى معدلاته، وإن كان البعض يرى في وعود البنك المركزي بتوفير مليار دولار لتلبية احتياجات القطاع المصرفي تمثل خطوة هامة، لأن الأمر الأهم بالنسبة للمنتجين هو توفير العملة الصعبة، إلا أن إجراء البنك المركزي بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، إلا أن اتحاد المستثمرين المصريين قد أبدى تخوفه من قرار «المركزي» بخفض الدولار، بواقع 20 قرشا دفعة واحدة، لأول مرة منذ عامين، خاصة أن هذا الإجراء جاء إرضاء لرئيس الدولة الذي طالب بخفض أسعار السلع، وليس بناء على رؤية اقتصادية متكاملة، مما يهدد سوق صرف العملات الأجنبية، بعد أن انخفض سعر الدولار في البنوك، ومن الفروض أن تنعكس هذه الإجراءات على الأسواق، لتشهد تراجعا في أسعار السلع ولو مؤقتا، لأن ذلك مرتبط بمدى قدرة الجنيه على الصمود أمام الدولار، ومواجهة الضغوط الشديدة التي سيتعرض لها، خاصة إذا واكب ذلك تراجعا شديدا في الاحتياطي النقدي، الذي سيتأثر بالدخل السياحي، ومدى تدفق حركة السائحين، وحجم تحويلات العاملين بالخارج ولاسيَّما من يعملون في الدول التي تعتمد موازناتها بصورة أساسية على النفط وتأثرت سلبا من تراجع أسعار النفط، وكذلك إذا تراجعت عائدات قناة السويس لأي سبب من الأسباب، ولاشك أن المواجهة الحقيقية بين الدولار والجنيه سوف تحتدم لهذه الأسباب، وسوف تتصاعد أكثر عندما يهرب المستثمر الأجنبي الذي يشعر الآن بالخوف والقلق من تذبذب أسعار الصرف ويخشى من دخول سوق الاستثمار مما يقلص حجم العملات الأجنبية بصورة كبيرة، لأن إجراء البنك المركزي يعد بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، وقد تتعرض الاحتياطيات النقدية للاستنزاف، الذي تشكل فيه الودائع الخليجية نسبة أكبر، فضلاً عن تضرر المصدرين بعدما تنخفض تنافسية الصادرات. ولاسيَّما أن قرار البنك المركزي بزيادة سعر صرف الجنيه وبزيادة أسعار الفائدة على بعض الأوعية الادخارية، لجذب المزيد الدولارات التي في السوق بعد استبدالها بالعملة المحلية، يعد بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، وسوف تكون لذلك توابع سلبية على الاقتصاد في الفترة المقبلة، أبرزها إضافة أعباء جديدة على خدمة الدين العام، مما يعني إضافة خسائر كبيرة للاقتصاد المصري، على اعتبار أن الحكومة هي أكبر مستدين من البنوك، وكذلك فإن هذه القرارات ستعمل على تحجيم الاستثمار الخاص إلى حد كبير وزيادة أعباء خدمة القروض للشركات القائمة، وزيادة مشاكلها التمويلية أي حد كبير، خاصة الشركات المتعثرة أو التي في طريقها للتوقف، وكانت القرارات النقدية للبنك المركزي مفاجئة لها ولم تتم بالتدرج أسوة بكل دول العالم لتجنب الصدمات الفجائية للمجتمع بصفة عامة، وللقطاع المصرفي على وجه الخصوص، وعلينا أن نقدر ذلك وأن نسعى إلى تخفيض الواردات وزيادة الصادرات حتى لا يكون الجنيه ضعيفا أمام غيره من العملات، والعمل على الاستفادة من ذلك في جذب الاستثمار، وإعطاء الثقة للمستثمر الخائف والمتردد من القرارات غير المدروسة، أو غير المتوقعة التي تتسبب في قلق وفزع رجال الأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث على أسواق أكثر أمنا واستقرارا ومن ثم الهجرة إليها.