11 سبتمبر 2025

تسجيل

"نوبل" التونسية

18 أكتوبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ربما هي المرة الأولى منذ ثورة يناير 2011، التي تبدو فيها النخبة التونسية والرأي العام متوحدين حول تقييم حدث محدد، بعد أن أضحى الجدل، ذلك العجين اليومي الذي يضع فيه الجميع أيديهم قبل أن يقولوا كلمتهم الأخيرة..هكذا تم التعامل مع جائزة نوبل للسلام لعام 2015 التي منحتها الأكاديمية النرويجية للرباعي الراعي للحوار في تونس، فقد تقلصت مساحات الجدل إلى حدّ يشبه التوافق والإجماع.. ورغم أن الإعلان عن الجائزة تزامن مع محاولة اغتيال فاشلة وجبانة لعضو البرلمان ورجل الأعمال، رضا شرف الدين، فإن ذلك لم يفسد على التونسيين ولا على طبقتهم السياسية، فرحتهم بهذه الجائزة التي كانت بمثابة الرافعة لعدّة معان ومدلولات في السياق التونسي الراهن.. أول هذه المدلولات، ما عبرت عنه الأكاديمية النرويجية في تبرير اختيارها لرباعي المنظمات التونسية (اتحاد العمال، واتحاد الصناعة والتجارة، وهيئة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان)، من أن "مساهمة هذا الرباعي الحاسمة في بناء ديمقراطية متعددة بعد ثورة الياسمين"، هي السبب الجوهري وراء إسناد هذه الجائزة التي تنافس عليها أكثر من مائتي مرشح من مختلف دول العالم، وهذا يعني أن تونس، دخلت ما يمكن أن نسميه بـ "نادي الدول الديمقراطية" من بوابة الثورة، وهو ما يمثل ردّا على المشككين في الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس، ورسالة مضمونة الوصول إلى الذين أصابهم اليأس من نجاح الثورة واستحقاقاتها الأساسية، وفي مقدمتها، الحريات التي تمثل الديمقراطية رافعتها الرئيسية. لكن الرسالة الأهم من وراء هذه الجائزة، هي قطع الطريق على المغامرين، والراغبين في الالتفاف على الثورة، والحريصين على العودة القهقري إلى المرحلة الاستبدادية بكل عناوينها ومفرداتها وآلياتها، رسالة مضمونها أن الانخراط في الشأن التونسي، ينبغي أن يكون على قاعدة التنافس الديمقراطي والحوار والتوافق، هذه الكلمة السحرية التونسية، بعيدا عن العنف وخيارات الانقلاب مهما كان لونه الإيديولوجي أو شكل تحالفاته الخارجية.. جائزة نوبل للسلام هذه، تعني كذلك أن الديمقراطية في العالم العربي ممكنة رغم كل الصعوبات والعراقيل وأشكال "الفوضى الخلاقة"، التي يحاول البعض إدخالها إلى المشهد العربي بكل ما أوتي من شجاعة وإمكانيات.. لكن نكهة هذه الديمقراطية أنها لم تأت بقرار سياسي فوقي، إنما كانت حصيلة نضالات شعبية قدم خلالها عدد من الشهداء، وكان للمجتمع المدني بمنظماته العريقة الدور الحاسم في التقاط اللحظة المناسبة لمنع أي التفاف على ثورة الياسمين، ولإعلان مرحلة التأسيس الديمقراطي من خلال تداول سلمي غير مسبوق على السلطة في العالم العربي.. والحقيقة، أن رباعي الحوار الوطني، ما كان له أن ينجح ويحقق هذه المكاسب، لولا التنازلات الموجعة التي قدمها السياسيون، وبخاصة حركة النهضة التي قبلت أن تخرج من الحكم، وهي الحركة المنتخبة شعبيا، وكان اجتماع باريس بين رمز المعارضة التونسية آنذاك، الباجي قايد السبسي، وزعيم حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، الممهد الرئيسي للحوار الوطني، وأحد ضمانات نجاحه ومخرجاته السياسية.. إن التكريم الذي حظي به رباعي الحوار الوطني في تونس، هو في الواقع، تكريم للطبقة السياسية في تونس، وكذلك للنخبة في العالم العربي، التي تكاد تعلن يأسها من المآلات الراهنة للوضع العربي، نخبة كانت بحاجة إلى أن تستعيد الثقة في المشروع الديمقراطي، وفي دورها ضمن سياقات التحول التي يشهدها العالم العربي منذ نحو أربع سنوات..