19 سبتمبر 2025

تسجيل

لكل مسؤول وظيفة

18 أكتوبر 2015

النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، كان دقيقاً في اختيار أمراء السرايا وقادة المعارك والمهام، وكانت له رؤيته الثاقبة ونظرته إلى القادة، وأنه بذلك يعلمنا أنه ليس دوماً تكون بعض المعايير التي نتفق عليها بشأن اختيار القادة والمسؤولين صحيحة، فلكل مهمة قائد معين، ليس بالضرورة أن ينفع في مهام أخرى، وهكذا.في معركة ذات السلاسل، اختار الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص رضي الله عنه أميراً على سرية أراد إرسالها لتأديب قبيلة من القبائل العربية التي شاركت في موقعة الأحزاب ضد المسلمين، وكان في السرية عدد من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من السابقين إلى الإسلام.تولى عمرو قيادة السرية ولم تمض أشهر خمسة على إسلامه، ورغم ذلك أعطاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم القيادة رغم وجود كبار الصحابة والسابقين إلى الإسلام.. وكان المغزى من هذا القرار أنه، صلى الله عليه وسلم، كما أسلفنا، أراد أن يعطي دروساً عملية لأصحابه في كيفية اختيار القادة مستقبلاً، فقد كان يرى غير ما يراه الآخرون، إذ رأى في عمرو الحس العسكري والدهاء السياسي والقدرة على تنفيذ التعليمات وبالتالي تحقيق الأهداف بدقة بالغة.خرجت السرية في طقس بارد، وقد أمر عمرو أفراد السرية ألا يشعلوا النار بالليل رغم البرد القارس، مهما تكن الظروف.. ورغم اعتراض كثيرين على ذلك إلا أنهم في النهاية التزموا بتعليمات القائد. ووقعت المعركة بينهم وبين القبيلة التي كانوا يقصدون تأديبها، وانتصر عمرو وطارد الكفار لفترة قصيرة، لكنه لم يستمر في مطاردتهم وتوقف بعد حين قصير، فاعترض الصحابة على ذلك وتعجبوا من قراره مرة أخرى.حين رجع بالسرية إلى المدينة قام بعض الصحابة برفع شكوى إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على عمرو بسبب قراراته، وتوقعوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في صفهم، لكن العكس قد حصل، فقد تفهّم النبي صلى الله عليه وسلم قرارات عمرو، وعرف دقتها ومغزاها واعتبرها بُعد نظر ودهاء عسكريا من عمرو كما توقعه صلى الله عليه وسلم.. إذ كان عمرو رضي الله عنه يهدف إلى تحقيق المطلوب دون أي خسارة في الأرواح كما كانت التعليمات، وقد حصل ذلك، وانتهت مهمته بانتظار مهام أخرى قد تُسند إليه أو ربما يكون جندياً في السرايا والجيوش إلى أن يشاء الله أمراً كان مفعولا.. وهكذا كانت الدروس العملية في المدرسة المحمدية.