17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عادت المحكمة العسكرية في لبنان إلى الواجهة من جديد، بعدما أحيل إليها موقوفو "الحراك المدني" الذين تم اعتقالهم على خلفية مشاركتهم في التظاهر أمام مجلس النواب وسط بيروت، لتعود الأسئلة وعلامات الاستفهام المتعلقة بهذه المحكمة. فحسب القانون الداخلي للمحكمة العسكرية هي محكمة استثنائية، تم إنشاؤها لتكون مخصصة لمحاكمة العناصر العسكرية والقضايا المتعلقة بهم، كي لا يُعرض العسكريون أمام المحاكم المدنية، وحرصاً على التسريع في إجراءات المحاكمة.المحاكم العسكرية ليست ابتكاراً لبنانياً، فهي موجودة في كل دول العالم، لكن الابتكار اللبناني هو توسيع صلاحيات هذه المحكمة ونطاق عملها لتشمل الكثير من القضايا والملفات التي لاعلاقة للمؤسسة العسكرية بها. فسبب إحالة موقوفي "الحراك المدني" إلى المحكمة العسكرية هو اتهامهم بالاعتداء على عناصر عسكرية، واعتبار محاولتهم نزع الشريط الشائك مساسا "بعتاد عسكري" يقع ضمن نطاق صلاحيات هذه المحكمة رغم أن الموقوفين مدنيون.هي ليست المرة الأولى التي توسع المحكمة العسكرية من صلاحياتها ونطاق اختصاصها، فجميع القضايا التي تندرج تحت بند "تشكيل جماعة إرهابية" باتت من صلاحية هذه المحكمة، وتقع تحت هذا البند معظم القضايا المحالة إلى القضاء، مستغلين الصياغة الفضفاضة التي لا تحدد تعريفاً للإرهاب، فعانى مئات الموقوفين الإسلاميين خلال السنوات الماضية الأمرّين من هذه المحكمة وإجراءاتها، واستنسابية قرارتها. لكن لم يكن أحد يعبأ بهذه المعاناة، بل إن بعض اللبنانيين كان يستمتع بما يعانيه الموقوفون الإسلاميون، ويشمت بهم، ويؤيد الظلم اللاحق بهم.الذريعة الجاهزة التي يقدمها المؤيدون لاستمرار عمل المحكمة العسكرية "الاستثنائية" هي أنها وقضاتها منزّهون عن الفساد الذي يعشعش في زوايا قاعات المحاكم المدنية، وأنها مازالت بمنأى عن التدخلات السياسية في أحكامها وقرارتها. إضافة لذلك فإن إجراءاتها أكثر اختصاراً وسرعة من إجراءات التقاضي أمام المحاكم المدنية. وهي بكل الأحوال ذريعة مخجلة ومعيبة، لأنها تعني التشكيك بجميع الأحكام التي صدرت وتصدر عن القضاء المدني. علاوة على أن نزاهة القضاء العسكري لا شيء يؤكدها، ليس تشكيكاً به، بل لأن قضاته العسكريين لم يهبطوا إلى قوس المحكمة من المريخ، ولم يصلوا إلينا من المدينة الفاضلة، فهم من نسيج المجتمع اللبناني، يعانون مشاكله، ويصيبهم ما يصيب بقية اللبنانيين. هذا عدا أن القانون العسكري لايفرض أن يكون لقضاة المحكمة خلفية حقوقية أو قانونية، ويعيّنهم قائد الجيش دون أي تقييد أو شروط أو ضوابط لهذا التعيين. أما لناحية تأثير السياسة على قرارات المحكمة، فإنني أكتفي بسرد حادثة شخصية، حيث إنني ومجموعة من المحامين قمنا بزيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري، نشكو إليه بطء إجراءات المحكمة العسكرية بحق الموقوفين الإسلاميين، فطلب من سكرتيره الاتصال برئيس المحكمة، وتحدث إليه أنه لايريد "وجع راس" من هذا الموضوع، طالباً منه تسريع الإجراءات، لأصحو في اليوم التالي على اتصال قلم المحكمة العسكرية يطلب مني المسارعة لتقديم طلب "إخلاء سبيل" كي يتم الإفراج عن بعض الموقوفين.أما لناحية سرعة إجراءات التقاضي أمام المحكمة العسكرية فلن أذكّر بمئات الموقوفين الإسلاميين الذين يقبعون في السجن منذ سنوات دون صدور أحكام بحقهم، وسأكتفي بما نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية قبل أيام حول عدد الموقوفين المصنّفين "إرهابيين". فالسجون تضم 2030 موقوفاً (إرهابياً-إسلامياً) تمت إحالة 885 منهم فقط إلى المراجع المختصة، وهذا يعني أن 1145 موقوفاً يقبعون في السجن، لم تبدأ بعد إجراءات محاكمتهم، فعن أي تسريع يتحدثون؟!.لعلّ السبب الأبرز الذي يدفع البعض للتمسك بالمحكمة العسكرية .من المرجح أن تبادر المحكمة العسكرية لإطلاق سراح موقوفي "الحراك المدني"، لامتصاص الضغط الذي يمارسه هؤلاء في الإعلام والشارع، وبالتالي من المتوقع أن تخفت الأصوات المطالبة بإلغاء هذه المحكمة، لتستمر المعاناة من نصيب مئات الموقوفين الإسلاميين، الذين لن يجدوا نصيراً لهم أو من يوصل صوتهم.