17 سبتمبر 2025
تسجيلتفرض الأحداث في كوباني /عين العرب، وحصار "داعش" لها والعمل على إسقاطها، نفسها بندا أول في جدول الاهتمامات والانشغالات التركية في المرحلة الحالية وإلى وقت طويل.وتضع هذه التطورات من جديد ملف العلاقة التركية مع الأكراد في الداخل وفي سوريا والمنطقة عموما على طاولة البحث الجدي بعدما كثرت علامات التصدع في مسار هذه العلاقة والذي فتح على احتمالات مختلفة.ولا شك أن المسار الذي تتخذه العلاقة بين تركيا والأكراد بسبب أحداث كوباني ترك حفرا عميقا وندوبا ليس من السهولة إزالتها.فأكراد سوريا يشعرون أنهم ضحايا لمؤامرة تستهدف وجودهم من جانب داعش ومن جانب تركيا، إذ إن الشروط التي طرحها مسؤولون أتراك على صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا والذي يمثل غالبية الكتلة الكردية هناك والتي تخوض معركة كوباني لا تضع مجالا للشك في أن المقاربة التركية للمسألة الكردية لا تزال تقع في المربع الأول الذي كانت عليه قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.ومن أبرز هذه الشروط التخلي عن فكرة الحكم الذاتي في المناطق الكردية في سوريا. وهو طلب غريب عموما، خصوصا أنه يطال شؤونا داخلية لدولة أخرى.ولكن الأهم والأخطر في الوقت نفسه أنه يطال كل النظرة التركية للقضية الكردية في كل منطقة الشرق الأوسط، فتركيا لم تسع في العام 2003 لدخول الحرب مع أمريكا ضد نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إلا لأن حكومة عبد الله جول حينها وبرعاية مباشرة من رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان كانت تريد أن تكون شريكا في تقرير مصير العراق ومستقبله بعد الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وفي أساس هذه الشراكة العمل على منع إقامة فيدرالية كردية في شمال العراق كانت تركيا ترى فيها تهديدا لوحدة تركيا على أساس أن أكراد تركيا سيتشجعون ويحاولون محاكاة التجربة العراقية في تركيا.غير أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن جول - أردوغان وسقطت مذكرة الحكومة في البرلمان، وانتهى مسار العملية السياسية هناك إلى إنشاء فيدرالية منصوص عليها في الدستور.لا تريد تركيا أن تكرر التجربة العراقية في أراضيها، ولكن الأحداث المستمرة في سوريا منذ ثلاث سنوات ونصف السنة فتحت بوجه تركيا بابا غير متوقع، تمثل باستغلال الأكراد السوريين للفوضى القائمة في البلاد لكي يسيطروا أولا عسكريا على معظم المناطق الكردية في شمال سوريا في مطلع صيف العام 2012 وثانيا لإعلان الحكم الذاتي في ثلاث كانتونات: عفرين في الغرب شمال حلب، والجزيرة في الشرق على الحدود السورية- العراقية، والكانتون الثالث في الوسط وهو كوباني، حيث تدور المعارك الطاحنة لإسقاط بلدة كوباني (بالكردية) أو عين العرب بالعربية. إعلان الحكم الذاتي داهم أنقرة، فعملت ليل نهار من أجل قطع دابر هذا التهديد الجديد لها، خصوصا أن بين أكراد سوريا وتركيا من علاقات القربى والتواصل ما ليس موجودا مع أكراد العراق.وتتأثر بالتالي تفاعليا التطورات الكبيرة والصغيرة التي يمكن أن تحصل على جانبي الحدود. ولم يتأخر الأكراد في محاولة حماية هويتهم في سوريا، خصوصا أن هذا الترابط بين أي نجاح أو خسارة لأكراد سوريا هو نجاح أو خسارة لأكراد تركيا.انكسرت علاقات أنقرة مع أكرادها مرة أولى عندما رفضت السماح لأكراد تركيا بمساعدة أشقائهم في كوباني.وانكسرت مرة ثانية عندما ساوى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين "إرهاب داعش وإرهاب حزب العمال الكردستاني" وانكسرت مرة ثالثة عندما أطلقت قوات الشرطة والجيش التركي النار على المتظاهرين الأكراد في جنوب شرق تركيا فسقط ما لا يقل عن 41 قتيلا في حدث هو الأول منذ التسعينيات.عملية السلام مهددة فعلا وهي كما قال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديميرطاش تعرضت لتخريب كبير ولانكسار عميق في الثقة بين الجانبين. لكن هل يعني هذا أن حزب العمال الكردستاني سيلجأ إلى الخيار العسكري هذه المرة مع الدولة التركية بدلا من المفاوضات التي تدور في حلقة مفرغة؟من الصعب الجزم بما ستكون عليه طبيعة هذا المسار في المرحلة المقبلة، دمويا أو سلميا، إذ إن حسم التوجهات مرتبط بالتطورات الجارية في المنطقة. لكن أي خيار عسكري لن يخسّر الأكراد شيئا، فجعبتهم في الأساس خالية الوفاض وبعض الضحايا الإضافيين لن يؤثروا في واقعهم العدمي. غير أن تركيا ستكون المتضرر الأكبر، إذ ستعود إلى حالة الاستنفار العسكرية وما يعنيه ذلك من تهديد لموسم السياحة ومن عودة لنفوذ عسكري وأيضا ما سينتج عن ذلك من اضطراب داخلي وعدم استقرار أمني وسياسي واجتماعي. ولاشك أن مسؤولية عدم الوصول إلى نقطة الانفجار مسؤولية تركيا أولا وأخيرا.