15 سبتمبر 2025
تسجيلتعود أسباب الإرهاب إلى عوامل عدة داخلية وخارجية، فبالنسبة للعوامل الداخلية تمر العديد من دول العالم بتغيرات جذرية وهامة فرضتها الظروف التي تمر بها المنظومة الدولية مثل انهيار الشيوعية والكتلة الاشتراكية وبذلك زوال القطبية الثنائية وظهور مؤشرات نظام عالمي جديد لم تتحدد معالمه بعد، لكن تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بمقاومة شديدة وصراع كبير من قبل بعض الدول الفاعلة على الساحة الدولية. أضف إلى ذلك، فإن معظم التجارب التنموية في العالم الثالث والذي يضم أكثر من 75% من سكان العالم فشلت ولم تحقق الأهداف المرجوة منها مما عمق الهوة ما بين الدول المتقدمة، المستعمرة (بكسر الميم) سابقا والدول المتخلفة، المستعمرة (بفتح الميم)، كما أدى فشل المشاريع التنموية داخل دول العالم الثالث إلى اتساع الهوة بين الفئة القليلة جدًا التي تتقاسم ثروات البلاد وعامة الجماهير التي تعاني يومًا بعد يوم من الفقر وصعوبة تأمين لقمة العيش. فأسباب الإرهاب في الدول النامية وبالتحديد في الدول العربية تتحدد في عوامل سياسية، أيديولوجية، اقتصادية، ثقافية، واجتماعية. فالمشاكل التي ظهرت على هذه المستويات مجتمعة أدت إلى ظهور التطرف والإرهاب ورفض الآخر، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الدولي فهنالك بعض الدول تعمل على إيواء الإرهابيين والبعض الآخر يعمل على استعمال الإرهاب لإضعاف بعض الدول النامية والقضاء على معنوياتها ونشاطاتها حتى يتحكم في مصيرها كما يشاء، أما النوع الثالث فهي تلك الدول التي تمارس إرهاب الدولة مثل الكيان الصهيوني حتى يضمن بقاءه ويقضي على كل من يقف في طريقة. فعلى الصعيد المحلي نلاحظ الأسباب والعوامل التالية: إن الإقصاء السياسي وضعف الحريات السياسية وعدم المشاركة السياسية من قبل فئات عريضة من المجتمع والناجم عن انتشار وسيادة النظم السياسية العربية السلطوية أدت إلى فجوة كبيرة جدًا بين الحاكم والمحكوم وأصبح بذلك المجتمع المدني محرومًا من أدنى حقوقه للتعبير عن مطالب ومشاكل واهتمامات الجماهير الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فانعدام المشاركة السياسية للغالبية العظمى للجماهير يؤدي إلى الإقصاء والتهميش ويفتح المجال أمام المؤسسات الحكومية للتلاعب في الفضاء السياسي كما تشاء ومن أجل خدمة حفنة من السياسيين والعسكريين. إن فشل المشاريع التنموية في معظم الدول النامية أدى إلى تفشي الفقر والجهل والمشاكل الاقتصادية في المجتمع وهذا نظرًا للزيادة المطردة في عدد السكان وفي احتياجاتهم المتزايدة من مأكل ومشرب وبنية تحتية ومدارس ومستشفيات …إلخ، هذه الأمور كلها أدت إلى تفاقم البطالة ومشاكل أخرى تزداد تعقيداً يوما بعد يوم كما أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها معظم الدول النامية من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر أدت إلى العديد من المشاكل كتسريح العمال واللجوء إلى الخصخصة التي لا ترحم… إلى غير ذلك من المشاكل. فالفجوة الطبقية الضخمة التي توجد في غالبية الدول النامية تزيد يومًا بعد يوم من غنى الأغنياء وفقر الفقراء وزيادة عدد المهمشين وانعدام الحد الأدنى للحياة الكريمة عند نسبة كبيرة من السكان. فالشباب المهمش في معظم دول العالم الثالث فقد كل أمل في الحياة وهو المتعلم الجامعي الذي لم يحصل على منصب شغل ولذلك لا يستطيع الحلم لا بمسكن ولا بحياة كريمة ولا بحياة زوجية ونظرًا للعولمة ولعالمية الصور والأنماط الاستهلاكية الغربية ومعيشة وحياة الوفرة والثراء التي تقدمها المسلسلات والأفلام الغربية يصبح المهمش في العالم الثالث قاب قوسين أو أدنى من التطرف، وإلغاء الآخر وبذلك الإرهاب والثورة ضد كل ما هو قائم في المجتمع. تعاني الكثير من الدول النامية من الانفصام الثقافي، والتبعية الثقافية وفي بعض الأحيان من أزمة هوية. وهذه الأمور كلها مجتمعة تؤدي إلى صراع داخل المجتمع إذا لم يكن مبنيًا على التسامح والتفاهم واحترام الرأي الآخر وانعدام المجتمع المدني تكون نتيجته الحتمية تصفية الآخر والتخلص منه. ومن مخلفات الاستعمار وجود نخبة من المثقفين وأشباه المثقفين والتابعين في الدول النامية منسلخة تمامًا عن الأمة تدافع وتمثل مصالح دولة المركز أو "المتروبول" المركز، والصراع الثقافي هذا أدى في الكثير من الدول النامية إلى وجود دويلات داخل دولة وهويات ثقافية مختلفة، الأمر الذي انعكس بالسلب على الإنتاج الثقافي وعلى هوية الصناعات الثقافية المختلفة وعلى مخرجات وسائل الإعلام. وهكذا أصبح الخطاب الثقافي يعكس عدة اتجاهات متناحرة ومتناقضة تمثل مختلف التيارات الأيديولوجية والعقائدية والتي لا يربط بينها قاسم مشترك واحد، وهذا ما من شأنه أن يغذي التطرف والحركات الإرهابية حيث إن هذه التيارات الثقافية المختلفة لا تؤمن ببعضها البعض وكل واحد منها يعمل على إقصاء الآخر بشتى الطرق والوسائل. ونلاحظ هنا الغياب الكلي للمؤسسة الإسلامية حيث تركت فراغا كبيرًا وأصبح كل من هب ودب يفتي حسب أهوائه ومعتقداته ومصالحه الخاصة ضاربا عرض الحائط كل من لا يرى العالم كما يراه هو. إن فشل المشاريع والخطط التنموية في معظم الدول النامية، والخلل الذي نجم عن هجرة سكان الأرياف إلى المدن، وعدم الاهتمام بتطوير البنية التحية في المناطق الريفية والنائية، نجم عنه ظهور الأحياء العشوائية و(الغيتوهات) وتدهور حالة المدن حيث انعدمت فيها مقومات الحياة الكريمة وتفشت فيها الأمراض والأوبئة وتفاقمت فيها أزمة السكن وانعدمت فيها الراحة والطمأنينة والأمان والشروط الأساسية للمدينة الحديثة. أضف إلى ذلك أن الأسباب السالفة الذكر، اقتصادية، سياسية، اجتماعية وثقافية كلها أدت إلى انتشار وتفشي أمراض اجتماعية خطيرة قضت على مفهوم الأسرة والعائلة والتلاحم الاجتماعي… الخ. هذه الأمور كلها هيأت الظروف لظهور جيل من الشباب حاقد على المجتمع وعلى الدولة والسلطة ومختلف مؤسساتها، جيل مهيأ للعنف والتطرف وإقصاء الآخر في غياب الوسائل والإمكانات. إن غياب البرامج الاجتماعية في الدول النامية أو استغلالها من قبل الفئات التي ليست بحاجة إليها في واقع الأمر زاد من تفاقم أوضاع الفئات المحرومة في معظم هذه البلدان.