18 سبتمبر 2025
تسجيلكلما أبدى قادة في نظام الرئيس عمر البشير انفعالا واستخداما لغليظ القول ضد مخالفيهم في الرأي، كلما كان ذلك مؤشراً لأن النظام قد دالت دولته وأدبرت هيبته وعفى صدق توجهه وزال سؤدده، بل إن سيرته أضحت أوكاراً مهجورة وأطلالاً تلوكها ألسنة الشامتين.. لم يستبق النظام أثراً من فيض عنفوانه إلا خراباً بلقعاً، ولم يعد من سمات مجده، ومظاهر عزٍّ غبر، غير صدى هتافات باهتة ومتقطعة تلقفتها حناجر أصحاب المصالح من حناجر أصحاب المبادئ.. اليوم تبدو فلول نهار النظام تتسابق إلى الفرار من جحافل الغروب المحتجبة وراء الأفق القريب.. نعم ذلك يوم لا ريب فيه آتٍ ما لم يرعو قادة النظام ويتنبّهوا عاجلا غير آجل، بيد أن الوقت يمضي وتضيق معه بوتيرة أسرع فرص الإصلاح.مساعد رئيس الجمهورية السابق ونائب البشير السابق في رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، أطلق حمماً بركانياً استهدفت المعارضين والمخالفين للنظام في الرأي؛ بل إن هذه الحمم استهدفت بنفس الدرجة أعضاء من حزب المؤتمر الوطني نفسه سماهم بالمجموعات التي سعت لترشيح شخصية أخرى غير البشير لرئاسة البلاد خلال الانتخابات القادمة في أبريل 2015.. نافع علي نافع، قال في رسالة شديدة اللهجة بعد انقطاع طويل عن التصريحات الصحفية عقب تنحيته من منصبه في ديسمبر الماضي، وجهها لمن وصفهم بالمتربصين والمحرِّضين في الداخل والخارج، المواطنين على الثورة والفوضى ووصفهم بـ"الخائبين".. وقبل أيام قلائل قال الرجل إن الديمقراطية تمارس داخل الحزب؛ فإن كان كذلك فما هي جريمة ترشيح شخص آخر غير البشير الذي حكم أكثر من (25) عاما؟ لقد جاءت تصريحات نافع القاسية التي عرف بها، عقب خطاب البشير الأخير الذي قلب فيه طاولة الحوار الوطني الذي دعا إليه بنفسه في يناير الماضي أي عقب تنحية نافع ونائبه الأول السابق علي عثمان محمد طه.. تعكير الأجواء السياسية وتلويثها أمر عرف به نافع وظن الناس لفترة أن تلك فترة قد ولت ومضت إلى غير رجعة، لكن يبدو أن الممانعين للحوار في الحزب الحاكم استطاعوا إقناع البشير بالنكوص عنه وزينوا له أن الأفضل اتباع نهج متشدد ضد كل من يعارض الحكومة أو يخالفها الرأي.. وذلك يعني دون شك استمرار الأزمة السياسية في السودان وتطاولها.حزب المؤتمر الوطني أعلن عن عقد مؤتمره العام في نوفمبر القادم بعد تأجيله، وهو الذي سيشهد إعلان الحزب عن مرشحه للرئاسة.. الذين شككوا في نوايا البشير بعدم الترشح حيث أعلن عن ذلك أكثر من مرة، كسبوا الرهان، فكل المؤشرات تشير إلى عزم البشير الترشح، فكثير من الطبول اليوم ارتفع صوتها مجلجلة بالتأكيد على أن "البشير هو رجل المرحلة" ولن ينتظم عقد الأمن والاستقرار إلا بوجود البشير على سدة الحكم، وتلكم سيمفونية ومعزوفة معروفة تزدهر في ظل الأنظمة الديكتاتورية وتشكل أهم ملامحها.. يقول نافع: "إن الشعب أيَّد ثورة الإنقاذ لأن مقصدها العودة إلى الله رب العالمين وليس زيادة السكن الشعبي، أو زراعة القمح أو توفير البترول". فالرجل يعترف بسوء الأوضاع المعيشية ولذا لم يتحدث كما في السابق عن الإنجازات والتنمية، لكن كذلك فإن ممارسات النظام لا تمت بصلة إلى قيم الإسلام لا روحاً ولا تطبيقاً.في صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو 1989م، ارتفع أزيز المارشات العسكرية عاليا في إذاعة أم درمان الإذاعة الرسمية وكثيرون يتذكرون البيان الأول وما أشار فيه قائد الانقلاب العميد عمر البشير، إلى ما دعاه إلى تسلم السلطة. في ذاك البيان جاء: (مؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحا لإخراج قرارات السادة)، اليوم نرى أن مؤسسة مثل البرلمان لا هم لها إلا الموافقة غير المشروطة على قرارات الحكومة، مثل القرارات الاقتصادية الأخيرة العام الماضي التي صفق لها النواب في صورة من صور العبث السياسي.. كذلك جاء في ذلك البيان: (لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطن الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها مما جعل الكثير من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة) وهذه حالة ماثلة اليوم بل إن الحكومة لا تلتف إلى معاناة المواطنين وما يُدهش أن السودان أبدى استعداده لاستضافة نهائيات بطولة كأس الأمم الإفريقية في يناير 2015، بعد اعتذار المغرب عن استضافة البطولة في هذا التاريخ خوفا من انتقال عدوى فيروس "إيبولا". كذلك تحاشت وزارة المالية الإشارة إلى التزام الحكومة بدعم بعض السلع الإستراتيجية في منشور مقترحات موازنة العام 2015، ووعدت بخفض مؤشرات الإنفاق الحكومي وهو وعد كذوب لم تف به الحكومة أبداً بل ظل الإنفاق الحكومي متزايدا.. في ختام بيان الانقلاب ورد: (لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سببا في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الإداري وضاعت بين يديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام)، ومسألة الإحالة للصالح العام سياسة اعتمدتها (الإنقاذ) حينا من الدهر في مقابل سياسة التمكين التي تكون الأفضلية في المواقع المختلفة لأهل الولاء دون النظر إلى الكفاءة.