02 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا بين أوروبا والشرق

18 أكتوبر 2013

كالعادة كل ستة أشهر تصدر المفوضية الأوروبية "تقرير التقدم" الخاص بتركيا وبدول أخرى ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. التقرير نصف السنوي الذي صدر قبل يومين لا يختلف كثيرا عن التقارير السابقة ومنذ عدة سنوات. تركيا تتقدم على طريق الإصلاح تارة ببطء وتارة بسرعة وتارة من دون أي خطوة مهمة. التقرير الأخير أشار إلى بعض التقدم بعد رزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في نهاية الشهر الماضي. ولكنه عرض أيضاً للعناوين التي لم تبادر تركيا إلى التغيير فيها ومن ذلك المسألة الكردية وبعض مطالب المسيحيين ومنها إعادة فتح مدرسة الرهبان في هايبلي أضه. كما دعا الحكومة إلى التعامل بعنف أقل مع المحتجين الذين خرجوا في نهاية الربيع الماضي في ساحة تقسيم وحديقة غيزي. لا بل أثنى التقرير على موقف رئيس الجمهورية عبدالله غول من أحداث تقسيم وانتقد موقف أردوغان منها. وفي النهاية وضع مسؤول المفوضية عن شؤون توسيع الاتحاد ستيفان فول الكرة في الملعب التركي من أجل تحقيق المزيد من التقدم في مفاوضات العضوية. قبل أشهر أعلن مسؤول الملف الأوروبي في الحكومة التركية ايغيمبن باغيش أن تركيا يمكن ألا تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي. وربما في هذه العبارة مفتاح العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي. من المسيرة التركية مع أوروبا منذ عام 1963 يتضح لنا أنها مسيرة لن تنتهي لا بعد سنة ولا بعد عشر سنوات. وهي مسيرة تحكمها العلاقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي. العالم الإسلامي اسمه هنا تركيا والعالم المسيحي اسمه الاتحاد الأوروبي. تقدمت تركيا واليونان معا في عام 1959 لعضوية المجموعة الأوروبية. في بداية الثمانينيات انضمت اليونان بعد إنهاء الحكم العسكري فيها. وبعد حوالي الثلاثين عاما من انضمام اليونان لا تزال تركيا تنتظر عند العتبة لا تجد من يفتح لها الباب. لا تحتاج المسألة إلى كثير من الجهبذة. الاتحاد الأوروبي هو ناد مسيحي ولا يمكن أن يقبل بانضمام دولة مسلمة خصوصا إذا كانت كبيرة ومهمة مثل تركيا يمكن أن تحدث انقلابا في موازين القوى داخل الاتحاد وتهدد العمق الديني للاتحاد رغم كل النزعة العلمانية التي تحكم سلوكه وقراراته. وإذا كان الاتحاد قد فتح باب المفاوضات المباشرة مع تركيا فهو من باب درء الخطر الديني الإسلامي بحيث تبقى تركيا على حد ولو أدنى من تركيا علمانية وأقل تطرفا لضرورات الاستقرار السياسي والأمني في أوروبا ولاسيَّما في البلقان ولمنع تعاظم النزعات المتطرفة الدينية والقومية في تركيا. لكن الكرة هي أيضاً في الملعب التركي. فتركيا العلمانية لم تكن يوما علمانية بالقدر الذي تتطلبه العلمانية وتركيا الديمقراطية لم تكن على مستوى المعايير التي تضعها في مصاف الدول الديمقراطية. وتركيا الباحثة عن عضوية أوروبية لا تزال تعتقد بالقول والممارسة أن دورها ومستقبلها هو في الجغرافيا الإسلامية حيث يمكن لها أن تكون زعيمة وقائدة بخلاف "الذيلية" التي ترى أنها ستكون عليه في الاتحاد الأوروبي. لقد أخطأت تركيا مرتين في مقاربتها لدورها الإقليمي والدولي. الخطأ الأول أنها نظرت إلى الاتحاد الأوروبي أنه مجرد أداة في الحسابات والصراعات بين مختلف القوى السياسية في الداخل التركي. فكانت تقدم على إصلاحات "مدروسة" بقدر ما كانت تفيد هذا الطرف أو ذاك ولم تقم بإصلاحات جذرية تجعلها في مصاف الدول المتقدمة. فبقيت عند حالها من المراوحة. والخطأ الثاني أنها عندما حاولت أن "تعوّض" وتتزعم في المنطقة العربية والإسلامية تحولت إلى طرف في استقطاب حاد بعيدا عن صورة البلد النموذج الذي حقق مكاسب من المعايير الأوروبية فبدت تركيا في دورها المشرقي بلدا لا يختلف عن أي بلد عربي ولإسلامي في طريقة مقاربته للأزمات والمعضلات والإشكاليات ففشل وعاد بلدا معزولا عن محيطه العربي والإسلامي ولم ينجح في الوقت نفسه في أن يكون جزءا من محيطه الأوروبي. إن مشكلة تركيا الجوهرية هي في أنها لم تحسم خيارتها الحضارية وما تتطلبه من شروط لتكون دولة نموذجا.