02 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مرّت الذكرى الرابعة والثلاثون لمجزرة صبرا وشاتيلا على اللبنانيين بصمت ودون اهتمام. ولولا وفد "كي لا ننسى صبرا وشاتيلا" الأوروبي الذي يحضر في شهر سبتمبر من كل عام إلى بيروت لإحياء ذكرى المجزرة لما تذكّر اللبنانيون الأمر. من المفيد التذكير أنه بتاريخ 16 سبتمبر عام 1982، أقدمت ميليشيات لبنانية بدعم ومساندة وغطاء من جيش الاحتلال الإسرئيلي بقيادة وزير الدفاع آرييل شارون على مدى ثلاثة أيام على ارتكاب مذبحة مروّعة بحق مدنيين فلسطينيين ولبنانيين من أبناء مخيمي صبرا وشاتيلا جنوب العاصمة بيروت. اختلفت الروايات حول الحصيلة النهائية لضحايا المجزرة التي هزت العالم وتمّت بعيدًا عن الإعلام، فتراوحت التقديرات ما بين 1200 و3500 قتيل معظمهم نساء وأطفال، تم التنكيل بهم بوحشية غير مسبوقة باستخدام مختلف أنواع الأسلحة بدءًا من السكاكين والفؤوس وانتهاء بالرصاص والقذائف. هول المجزرة وهمجيتها والغضب العالمي الذي رافقها شكلوا عامل ضغط على إسرائيل فشكلت لجنة تحقيق خاصة سميت "لجنة كاهان"، خلصت إلى أن الجيش الإسرائيلي يتحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة ولم يسع للحيلولة دونها، مما دفع شارون للاستقالة من منصبه. في موازاة المحاسبة الإسرائيلية لم يشهد لبنان أي مراجعة أو محاكمة أو ملاحقة للأشخاص أو الأحزاب التي ثبت ضلوعهم في ارتكاب المذبحة. بل إن الميليشيات التي شاركت في ارتكاب المجزرة عِوض تقديم الاعتذار وإبداء فعل الندم على ما فعلته، حاولت تبرير فعلتها، بالتذرّع أن ما حصل يندرج ضمن المآسي الكثيرة التي شهدتها الحرب الأهلية اللبنانية. مرور 34 عامًا على المجزرة أسهم في تراجع الاهتمام بذكراها واستعادة مجرياتها ومآسيها. لكن أسبابًا أخرى أسهمت في تناسي المجزرة وانتقالها إلى أدراج النسيان. أبرز هذه الأسباب هو أنه رغم هول مجزرة صبرا وشاتيلا فإنها لم تعد فريدة، وباتت تماثلها مجازر أخرى كثيرة نعيش تفاصيلها كل يوم. فالجيش الإسرائيلي نفسه ارتكب بعد مجزرة صبرا وشاتيلا مجازر أخرى في لبنان وفلسطين، ربما لم تكن بحجم ودموية صبرا وشاتيلا، لكن قربها الزمني أسهم في طمس معالم ما سبقها. ليست إسرائيل وحدها التي ارتكبت - وما زالت - المجازر، فما نشهده يوميًا في سوريا من إلقاء جيش النظام للبراميل المتفجرة على أبناء شعبه لا يقل دموية وإجرامًا عما حصل في صبرا وشاتيلا. وإذا كان عدد ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا بلغ ثلاثة آلاف قتيل، فإن ضحايا النظام السوري قارب ثلاثمائة ألف قتيل وما زال العدد يرتفع كل يوم. وإذا كان أطفال صبرا وشاتيلا قُتلوا ذبحًا، فإن أطفال سوريا يُقتلون اختناقًا بغاز الكلور أو حرقًا بالقنابل الحارقة، أو تحت ركام منازلهم.عمل آخر أسهم في تراجع الاهتمام في إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، وهو تبدّل الاصطفافات والتحالفات عما كانت عليه حين ارتكبت المجزرة. فعلى سبيل المثال، إيلي حبيقة المتهم الرئيسي بارتكاب المجزرة والذي كان قائدًا لميليشيا القوات اللبنانية صار فيما بعد حليفًا لحزب الله ومؤيدًا للنظام السوري الذي يُفترض أنهم معادون لإسرائيل، بينما تقف أطراف أخرى شاركت كذلك في ارتكاب المجزرة على الضفة المقابلة من الاصطفاف السياسي الأمر الذي يجعل بقية الأطراف تتجنّب استذكار المجزرة حرصًا على عدم إحراج حلفائهم وأصدقائهم ممن شاركوا في ارتكابها.تبقى مفارقة يجب الإشارة لها، وهي أن العالم أجمع غضب وتحرك وتظاهر استنكارًا لمجزرة صبرا وشاتيلا. حتى أن إسرائيل شهدت تظاهرة مليونية غاضبة، في حين أن العالم اليوم يغط في نوم عميق، غير عابئ بما تتعرض له أقطارنا العربية والإسلامية من مجازر يومية يذهب ضحيتها أطفال ونساء ورجال أبرياء، ذنبهم أنهم يعيشون في زمن غابت فيه النخوة، وماتت فيه الحميّة.