11 سبتمبر 2025

تسجيل

معنى الحج ودلالاته

18 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في كل عام يستجيب المسلمون في كل أصقاع الأرض لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام، حين رفع وابنه إسماعيل عليهما السلام قواعد البيت وأذّن في الناس فظلت دعوته تتردد على مدار العصور عابرة أقطار الأرض وأصقاعها البعيدة ليأتي الناس من كل فج عميق ملبين مهللين يدفعهم الشوق والحنين، والرجاء والدموع، وألسنتهم تصدح (لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لبيك اللهم لبيك. قال تعالى:"وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق.(الحج الآية: 27)والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: ما معنى الحج وما دلالاته؟هذه السطور هي محاولة للإجابة على هذا السؤال المهم.الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة عظيمة يتقرب بها المسلمون إلى ربهم حين يقصدون بيته الحرام في مكة المكرمة محرمين متحررين من المخيط ومن بهارج الدنيا وزخارفها وهمومها ومشاغلها متطلعين إليه بالتضرع والدعاء، والأمل والرجاء سائلينه أن يقبل توبتهم ويغفر ذنوبهم ويدخلهم في عباده الصالحين، ويشملهم بفيض نوره وحبه، وهو أمل جميع المسلمين في شتى أنحاء الأرض على امتداد الأجيال ومدار السنين. وهكذا يقصد المسلمون البيت العتيق ليؤدون مناسك الحج وأركانه بحب يفيض من قلوبهم ومشاعرهم، وإخلاص كامل لربهم مستحضرين عبق التاريخ وذكريات الأمس، ملتمسين ومشاهدين عن كثب أهم مشاهده على الأرض المقدسة المباركة.يبدأ الحجيج رحلتهم وقد تحرروا من المخيط ومن بهارج الدنيا وزينتها وومشاغلها وهمومها، منطلقين من سجن الغرائز والأهواء والشهوات، ومن عالم الغفلة والأطماع، والمصالح المتضاربة والصراع. إلى عالم الحرية الحقيقية، فلا سلطة ولا جاه، ولا مال ولا ذهب، ولا صاحبة ولا ولد، يمكن أن تمس قلوبهم أو تشغل بال الواحد منهم عن حب الله – عز وجل – وحب رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.تتذكر جموع الحجيج في هذا الموقف العظيم وهم محرمون ومتجردون من أزياء الدنيا وهمومها يوم الحشر الأعظم الذي يلي بعث الأموات من القبور. فهاهم في موقف رهيب وقد جاءوا من كل حدب وصوب ليقوموا لرب العالمين متجردين من الدنيا متخلين عن مناصبهم ومواقعهم في الحياة فلا وزير ولا غفير ولا غني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود.. ولا رفث ولا صخب، ولا جدال ولا فسوق ولا تشاحن ولا تباغض ولا تدافع ولا اهتمام بالبدن بل.. القلوب معلقة بخالقها والأبصار شاخصة إليه والأكف مرتفعة بالتضرع والدعاء، والأرواح تسمو وترتقي إلى السماء، وكل أتوه خاشعين مؤملين أن يقبل توبتهم ويعفو عن سيئاتهم قبل أن يحين الأجل أو تفوت الفرصة. الإسلام دين يعزز الجماعة ويقويها ويدعم روحها وكل فرائضه وأركانه الخمسة تعمل في هذا السياق لتوحيد المسلمين ولم شملهم وإنجاز التكافل والتواد والتراحم بينهم وتأكيد قيم الحب والأمن والسلام لهم ولمن حولهم فكما أن الصلاة صلة بين العبد وربه فهي كذلك صلة بين الإنسان المسلم وأخيه وهي في جوهرها دعوة لوحدة الصف والهدف والعقيدة. والحج في كل مناسكه مجسد لهذا المعنى فحين تجتمع جماهير الحجيج متحررة من القيود في مؤتمر سنوي عام. تلتقي فيه على كلمة التوحيد لتعلن حبها الكبيرلخالقها وتمسكها بالإسلام عقيدة وشريعة ورفضها البات والقاطع لكل صور وأشكال العبودية لغير الله. واستعدادها لمقاومة الظلم والظلام وكل قوى الاستكبار والاستغلال في الأرض. وهي حين تفعل ذلك تعلن بلا تردد ولا خفاء أن الأمة الإسلامية أمة واحدة ربها واحد ودينها واحد وجسدها واحد مطبقة قول خالقها عز وجل (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء:21)وحين يطوف الحاج بالبيت العتيق فإنه يؤكد تمسكه بالإسلام دينا ومنهجا، سلوكا ومسارا. كما يؤكد اتساقه مع حركة كل المخلوقات من الذرة الصغيرة إلى الجرم الكبير في دورانها حول الواحد الأحد. والطواف في نهاية الأمر ليس إلا صورة من صور التسبيح. وضربا من ضروب الصلاة وشكلا من أشكال الخضوع لله الواحد الأحد. الفرد الصمد. وكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم فإن الطواف كالصلاة إلا أن الصلاة لا كلام فيها قال صلى الله عليه وسلم: الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير) والبيت العتيق كما قال ابن الزبير سمي بالعتيق لأن الله سبحانه وتعالى أعتقه من الجبابرة(تفسير الطبري المجلد التاسع الجزء 17 ص 107) وعلى هذا النحو ولموقعه ومكانته فهو رمز لحرية الإنسان وتحرره من كافة أشكال وصور العبودية وحين يطوف الحجيج به فإنهم يعلنون تمسكهم بالحرية وبكلمة التوحيد.الحج تحرير للإنسان من كل صور الاستلاب والاغتراب، ومن كل صور وأشكال الأنانية والفردية. وكل صور وأشكال السوبرمانية والعدمية. والعبثية والداروينية الاجتماعية وكل صور وأشكال الفلسفات المادية التي جعلت من بعض الناس سادة ومن بعضهم الآخر عبيدا يعانون مرارة الإقصاء والتهميش. والإذلال والإفقار. فكل الناس سواسية كأسنان المشط وكلهم لآدم وآدم من تراب ومشهد الحج الأكبر يؤكد هذه المعاني حين ترتفع اصوات الحجيج بالتلبية والذكر لتتردد في الفضاء مسافرة في أقطار السموات والأرض حاملة استجابتهم لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام مؤكدين حرية الإنسان في كل مكان وزمان من كل صور وأشكال الاستغلال والعبودية. فعبودية الإنسان تنفي بتاتا أن يكون خضوع المخلوق لغير خالقه. فالله مصدر كل خير ونعمة والإنسان هو القيمة النهائية في الوجود قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات الآية 13).في مشهد الحج الأكبر يتذكر جموع الحجيج تاريخ أمتهم المجيد وتتجه العقول والأفئدة إليه فيتأمل الجميع رحلة أبيهم إبراهيم عليه السلام وأمهم هاجر إلى الصحراء القاحلة العارية من الخضرة والنبات والخالية من الماء والزاد. وكيف قاوما كل محاولات الشيطان اللعين وصدعا لأمر ربهما متحررين من كل ميل وهوى منفذين أمر الله جل وعلا – فانتصر حب الله فيهما على ما سواه وذهبت محاولات الشيطان جميعها أدراج الرياح وهاهي الجموع ترمي بالحصيات عدوها وعدو إبراهيم وآدم عليهما السلام في أرض منى مؤكدة أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر وأن حفظ الدين وحماية الحرمات والمقدسات مقدم على أي حب آخر مهما كان إغواء الشيطان ومهما كانت المغريات.لقد كان إنفاذ إبراهيم عليه السلام لرؤيته بشأن ابنه إسماعيل عليه السلام تأكيدا لعبوديته الكاملة والخالصة لخالقه وفيه من الدروس والعبر على جبل عرفات الطاهر المبارك وعلى صعيده المعطر حيث وقف الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه والصالحون والمهتدون بنور الله. تكون معرفة الله سنام كل معرفة وأساس كل قيمة ويكون حب الله فوق كل حب ولا غرو في ذلك فمعرفة الله هي المعرفة الأكمل والأجمل والأجدر وفوق أديم ترابه وعلى رباه وقممه تكون المناجاة الخالصة والمباشرة بين الإنسان وخالقه. وتكون الصلة المستمرة فيتوجه الحاج بقلبه وعقله ووجدانه نحو خالقه وترتفع الدعوات المبللة بالرجاء والدموع إلى عنان السماء راجية القبول والمغفرة. ويحفر الحاج في قلبه وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدماء والنساء والأموال فلا يظلم امرأة ولايسفك دما ولا يسرق مالا.وفي المشعر الحرام تتنامى في وجدانه كل مشاعر الحب والخير إزاء ربه ويضيء في قلبه نور الله فلا يلتفت إلى همسات الشيطان ولا تقهره الغرائز والاهواء.وهكذا يعود الحاج كما ولدته أمه.. ميلاد جديد بلا ذنوب ولا خطايا وإنسان جديد محب للخير قلبه أخضر ويده بيضاء مستحضرا دائما درس الحج ومعناه ودلالاته.. إنسان جديد لا يحقد ولا يكره. ولا يبطش ولا يفحش. ولايقتل ولايعتدي. بل يمد يده بالخير والعطاء والمودة والسخاء لإخوته ولسائر الناس مؤمنا بأن الحب والسلام والتسامح مفاتيح البقاء والاستمرار فوق الأرض