14 سبتمبر 2025

تسجيل

عن الحلف الأمريكي الإخواني

18 سبتمبر 2013

تشهد الساحة المصرية هذه الأيام سجالاً عبثيا، فالإعلام المدعوم انقلابيا يشيع مقولات فارغة بهدف شيطنة خصومه، ويدعو بكل صلف المتضررين منها أن يقدموا أدلتهم لدحضها. ورغم أن القاعدة الشرعية تنص على أن البينة على من ادعى، إلا أن غطرسة القوة تجعل البعض يتصورون أن دعاواهم حقائق، وأن على معارضيهم أن يجتهدوا لدحض ما لم يثبت أو يقم عليه دليل منها. ومن أبرز هذه المقولات ما يدعيه البعض من وجود علاقة تحالف سرية بين الإدارة الأمريكية وبين نظام الدكتور محمد مرسي. هذه الدعوى تفترض أن أمريكا هي الداعم الأكبر للإخوان، وأن دعمها لهم تجاوز التأييد السياسي، ليأخذ شكل المساعدات المادية والتنسيق الاستخباراتي، وأن انقلاب يوليو كان بهذا المعنى هزيمة للمشروع الأمريكي، بعد أن أطاح بحلفائها وقضى على فرصة استمرارهم في الحكم. ويسوق أنصار هذا الادعاء نظريات أكثر مما يقدمون من أدلة، على افتراض أن جاذبية التفسير قد تغني عن وجود الدليل. ولكن مراجعة التفسيرات المقدمة في هذا الصدد تظهر أنها تفتقر إلى الأساس المنطقي في معظم الأحيان، كما أنها تتعارض مع الواقع في أحيان أخرى. أولى النظريات المستخدمة في هذا الصدد تؤكد أن أساس التحالف المزعوم بين الإدارة الأمريكية والإخوان هو تلك الصفقة التي تلتزم بموجبها واشنطون بدعم ومناصرة الإخوان وتمكينهم من إقامة إطار فوق قومي، وذلك في مقابل قيام الجماعة بتأمين المصالح الأمريكية في المنطقة والقضاء على التنظيمات الإرهابية، توطئة لقيام نظام إقليمي جديد لا تتعرض فيه إسرائيل لأي تهديدات. آفة هذه النظرية أن الصفقة المزعومة تتضمن خطتين متعارضتين تماماً؛ فالإخوان من جانبهم يفترض أنهم يستهدفون نوعا من الأممية الإسلامية التي تتخطى مفهوم الدولة القومية وتقترب من الصورة التقليدية لدولة الخلافة، أما أمريكا فيفترض أنها تستهدف تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يقوم على أساس حماية إسرائيل عبر توفير بيئة مقسمة من حولها. فكيف يستقيم العرض والطلب في إطار هذه المعادلة المتضاربة. علما بأن أنصار هذه النظرية أنفسهم يؤكدون على أن "الشرق الأوسط الكبير" ما هو إلا الوجه الآخر لسيناريو الفوضى الخلاقة الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، والذي يقوم على تفتيت المنطقة إلى دويلات قومية صغيرة، يكون نصيب مصر وحدها منها أربعة دول (النوبة والصعيد وسيناء والدلتا) حتى لا تشكل أي منها أي تهديد لإسرائيل، ومن المفهوم أن أكبر خطر يمكن أن تتعرض له إسرائيل هو اجتماع الدول العربية والإسلامية في اتحاد يطوقها من كل جانب. فكيف تصمد قصة الصفقة المزعومة أمام هذا التناقض. أما النظرية الثانية فتذهب إلى أن مرسي يفتقد الكاريزما التي تمكنه من إدارة البلاد، مثله مثل مبارك، ويزيد عليه أنه يفتقد الخبرة، حيث جاء بمجموعة من الهواة لكي يدير من خلالهم السياسة الخارجية للبلاد، ومن هنا قررت واشنطن دعمه لأنه يسهل التحكم فيه والدفع به في الاتجاه الذي تريده، والذي يتفق مع مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل. مشكلة هذا التفسير أنه يصطدم بواقع ما بعد الانقلاب، فمسألة قلة الخبرة يشترك فيها نظام مرسي مع من انقلبوا عليه، أما عن موضوع التلاعب بالرئيس مرسي، فليس لدى أصحاب هذا التفسير دليل عليه، كما أنه (أي هذا التلاعب) لم ينعكس على قرارات أو تحركات الرئيس، بل إن الجميع قد لاحظوا أن الرئيس مرسي قد استهل سياسته الخارجية بزيارات إلى الصين وإيران، وهذه لا يمكن الزعم أنها من دول المحور الأمريكي. صحيح أن البعض يتحدث عن "تلاعب" يتعلق بإقناع مرسي بالتنازل عن سيناء للفلسطينيين في مقابل قيام الولايات المتحدة وإسرائيل بتمكين نظامه في الحكم، إلا أن هذه الصفقة (المزعومة) لم تحدث على أرض الواقع حتى يتم الاستشهاد بها، أما التسريبات المتاحة في هذا الصدد فتظهر أن هذا العرض قد قدم فعلا إلى مبارك وليس إلى مرسي. والغريب بحق أن الرئيس المتهم بدعم إسرائيل لم ينطق طوال حكمه باسمها المجرد، ورفض أن يجمعه أي لقاء رسمي برئيس حكومتها أو بأي من ممثليها، وحتى فيما يخص الخطاب الشهير إلى رئيس دولة إسرائيل والذي تصدرته عبارة "عزيزي شيمون بيريز" فقد ثبت أنه قد تحرك على نحو بروتوكولي عبر وزارة الخارجية ولم يصدر مباشرة من رئيس الدولة. النظرية الثالثة تذهب إلى أن الإدارة الأمريكية تدعم الإخوان لأنها نفسها مخترقة من قبل الإخوان، ويتفاوت أنصار هذه النظرية في بيان قدر الاختراق المزعوم، ما بين قائل إن الرئيس أوباما نفسه عضو في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وأنه قد اعتنق فكر الإخوان في مرحلة مبكرة من عمره، إلى قائل أن أخا أوباما هو المعني بهذه التهمة وليس أوباما نفسه، إلى قائل أن السفيرة الأمريكية كانت أحد عناصر التنظيم بدليل الاتصالات المكثفة بينها وبين القيادات الإخوانية، إلى قائل أن العناصر الإخوانية قد تسربت إلى الجهاز الإداري للبيت الأبيض وأنها هي التي رتبت موضوع الحلف الأمريكي—الإخواني كما أنها هي من سهلت عمليات غسيل الأموال التي يقوم بها الإخوان الموجودون في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الواضح أن هذا التفسير يلائم هواة المغامرات من المفتونين بنظرية المؤامرة ولا يستحق عناء الرد عليه أو تفنيده، وقد ذكرته هنا فقط لأنها تحتل جزءا كبيرا من اهتمام الإعلام المصري الذي يعيش واحدة من أكثر مراحله انحطاطا. أما النظرية البديلة والتي يمكن القبول بها عقلاً فتذهب إلى أن نظام الدكتور مرسي قد استمر على نهج سلفه والمتمثل في مقايضة الاستقرار بالاعتراف السياسي، وهذا اختيار تقليدي، صحيح أنه لم يكن أفضل بديل في مرحلة ما بعد الثورة، إلا أنه لا يتضمن ما يبرر اتهام صاحبه بالخيانة العظمى، ولا يتضمن تواطؤا يتعلق بالتفريط في حقوق البلاد. خاصة أن النظام الحالي لم يظهر منه ما يشير إلى أنه سوف يتوقف عن انتهاج نفس هذا النهج. فافتراض أن علاقة الإخوان بأمريكا أوثق من علاقة قادة الانقلاب بها يعكس تفكيرا شديد التحيز خاصة في ضوء حقيقة أن المؤسسة التي تزعمت الانقلاب، وليس نظام الإخوان، هي من يحظى بمعونة أمريكية مباشرة منذ أكثر من ثلاثين عاما، كما أن علاقاتها باتت تتسم بالانسجام الكامل مع ما كان يوصف يوما بالعدو الصهيوني.