07 أكتوبر 2025
تسجيلهناك الكثير الذي نتعلمه من أوروبا، قارة تتفق سياسيا واقتصاديا والآن تكون وحدة مصرفية. هذا في ظل لغات مختلفة وأراضٍ شاسعة، وديانات وطوائف متعددة، وتجاوزت عقودا وقرونا من العداوات والحروب المريرة، ليست الحربان العالميتان الأولى والثانية أقلها. ولكن تعلم الأوروبيون أن الحروب والعداوات والأنانية، ومحاولات بناء الإمبراطوريات وأحلام السيطرة، لا تقود إلا إلى الدمار. وهم الآن يشاهدون تهاوي الإمبراطورية الأخيرة أمريكا بعد الإمبراطورية البريطانية والتي نساها العالم. في الوقت التي تعلمت فيه أوروبا أن الحروب والتشظي لا تعود على أحد بخير. يمارس العرب الطائفية التي عبروا مطباتها منذ التاريخ القديم. ولكن ها نحن نعود لتلك الروح البغيضة. وعلى المستوى الإقليمي، في الخليج، ولا نتكلم هنا على المستوى العربي. والخليج يتكون من نفس العائلات. ولكن لم يقدم مجلس التعاون الخليجي حتى الآن أي هيكلة أو بنية نستطيع أن نقول إنها بداية لوحدة. لا على المستوى السياسي ولا الاقتصادي ولا المالي ولا المصرفي. وكلما تقدمنا خطوة بسبب ضغوط إقليمية أو عالمية تراجعنا خطوتين للوراء في غياب الضغوط الملحة. ولا نزال نرى مدى الترهل والهشاشة في مجتمعاتنا، لأننا نفضل الأجنبي على العربي. بل إن المؤسسات الأجنبية تدخل وتعمل وتمارس نشاطاتها بكل حرية. ولكن عندما تأتي المؤسسات الخليجية أو العربية فإننا نواجهها بكل المعوقات. نبحث عن المستثمرين العالميين ونعمل كل ما نستطيع لجذبهم، ولكن نعمل بنفس القوة لإعاقة كل ما هو خليجي. وها نحن ننتظر من سنين مصرفا مركزيا خليجيا ولكن هيهات. قد نوحد سياساتنا مع الخارج ونوحد عملاتنا مع الخارج ونوحد سياساتنا النقدية والاقتصادية مع الخارج ولكننا لا نستطيع فعل ذلك مع العالم العربي ولا الخليج العربي. نضع كل الإمكانات للتقرب مع الخارج ولا نضع أي جهد للتقارب مع أنفسنا أو العالم العربي. نعرف كل شارع وكل ميدان في الخارج ولا نعرف مدنا عربية قريبة منا، إلا عندما جاء الربيع العربي لنتعرف على مصراتة الصامدة والزاوية المجاهدة ودرعا وغيرها. نعم نحن مثل عين عذاري نعرف ونتعاون ونعطي البعيد ولا نعرف ولا نتعاون مع القريب. هذا شأن الخليج العربي اليوم، وإن اتفقت بعض البلدان عاند البعض الآخر لغرض في نفس يعقوب. متى يأتي اليوم الذي نرى الوحدة الخليجية الحقيقية؟ ويأتي الدافع من مصلحة الوطن والمواطنين ومصلحة الأمة. الخليج العربي اليوم هو نواة الأمة وهو القادر على قيادة الأمة. وفي هذا هو لم يخلق المثل الأعلى لوحدة الأمة، لا على مستوى وحدة خليجية ولا على مستوى تقارب عربي. لا نرى تقاربا القصد منه التقارب لأجل الأمة. ولا شيء سيبقى إلا إذا صب في ذلك المسار. فلا أمن ولا مكانة لأمة ضعيفة وغير موحدة، متى نظرنا لباقي الأمم، نرى أن قوتها في عددها وفي عدتها، ومؤسساتها الموحدة. فأمريكا وأوروبا والهند والصين فيها تنوع أكثر ومقومات الأمة قد تكون قاصرة. ولكن الإرادة والنوايا حاضرة. أما الأمة العربية فهي تملك كل مقومات الأمة من لغة ودين وجعرافيا وتاريخ وعادات وتقاليد. كل العناصر المكونة للأمة متوفرة فيها. ولكن تنقصها الإرادة والعزيمة والنية الصالحة. لا يزال أصحاب القرار يغويهم النفوذ والسلطة ولو على حساب مصلحة الوطن الصغير أو الوطن العربي الكبير. إذا غاب الإخلاص غابت ثمرة العمل. ومؤشرات غياب النية الصالحة التي تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة هو غياب الجهد لتحقيق الوحدة العربية. فالاقتصاد العربي اليوم ممكن أن يصبح من أفضل الاقتصادات. فكل ما يحتاج من أموال وشباب ورقعة غنية متوفر ولكن تهدر الطاقات المالية والإنسانية والوطنية في سبيل الاحتفاظ بالنفوذ والسلطة أو الاستيلاء عليها. اليوم ومعتصماه انطلقت من الأوطان لكنها لم تلامس نخوة المعتصم. اليوم وحسب إحصاءات البنك العالمي فإن الاقتصاد الخليجي يبلغ ٢.٢٧ تريليون دولار. وهذا يضعنا في المركز الثامن عالميا. أي بعد البرازيل وقبل روسيا. وفي هذا مكانة وقدرة على المشاركة في صنع القرارات الاقتصادية والمالية والمصرفية ونكون حاضرين على مائدة المفاوضات لنضمن مصالح الأمة واقتصاداتها، تصوروا ذلك أم نبقى دون قدرة على التواجد في طاولات الحوار العالمية ونحن أحق من غيرنا، لا يمنعنا إلا فرقتنا والأنانية التي تشتتنا.