17 سبتمبر 2025

تسجيل

"الباب العالي" دور إقليمي جديد رغم ذاكرة الماضي

18 سبتمبر 2011

بعض شواهد العهد العثماني أو الدولة التركية الشاسعة بطرابيشها الحمر لا تزال شاخصة في محيطنا العربي حيث امتد نفوذ الدولة واسعا في مختلف الأرجاء فلا نزال نرى الهلال في مآذن المساجد كما في مسجد محمد علي باشا في قلعة صلاح الدين في القاهرة والرواق العثماني في الحرم المكي وأثار قطار الحجاز الممتد من دمشق إلى المدينة المنورة وغيرها من الشواهد في مدننا العربية إضافة إلى القليل من التأثير في ثقافة الناس ومفردات يومياتهم دون إن تتغلغل الثقافة العثمانية بشكل بارز ومعمق في ملامح المجتمعات المحلية المختلفة التي امتدت عليها سيادة الباب العالي لقرون طويلة ودون أن يكون للحضور العثماني ذلك العمق في التأثير المباشر في الحياة العامة لسكان المستعمرات ربما لانشغال أواخر الحكم العثماني بالعسكرة وتأكيد بسط النفوذ واستمراره أمام محاولات بعض المحليات بدوافع ذاتية لاستعادة الملمح العربي وثقافته إلى مجتمعاتهم التي ظلت تعاني أمنياً واقتصادياً من النكوص والتخلف إضافة إلى غياب الثقافة والتعليم ومقومات الحياة الأساسية خاصة في الأطراف البعيدة والنائية عن مركزها في إسطنبول المنعم بالفخامة والقصور الفارهة لساكنيها من الحكام ومعاونيهم وكما في الألوية الرئيسية للدولة فكان غياب مثل تلك المقومات الأساسية والبسيطة وظهور الترف المركزي إلى جانب بطش العسكر وسطوتهم السبب في هشاشة الدولة وتلاشيها. وكما يقول ابن خلدون في مقدمته في تشخيص حال الدول برؤية اجتماعية محضة " إذا استحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم " كما يقول أيضا "إن الدول يفنيها شيئان منهما مطالبة الأطراف " فقد بدت حركات التمرد أو الانعتاق من نفوذ الإمبراطورية العجوز إضافة إلى أن هناك حركات متقنة تمدها الأفكار الغربية وتشعل بين شخوصها حماسة الخلاص من النفوذ العثماني المناهض للمخططات الغربية تحت مسميات ومحاولات عدة منها الثورة العربية ومحاولات الصهيونية المستميتة لقيام دولة اليهود المزعومة في أرض فلسطين واستغلال تلك المحاولات لمشهد الوضع المتهالك للدولة. أنا أكتب تلك المشاهدات ليس استنتاجا من بطون الكتب بل رصد لأثر متواتر نقله لنا الآباء والأجداد هنا في منطقة الخليج العربي ممن عايشوا امتداد النفوذ التركي المتعاقب والمنتهى مع بدايات القرن التاسع عشر حيث كان السلطان عبدالحميد آخر سلاطين الدولة العثمانية فرغم محاولاته لوقوف أمام مد التغيير وانفلات الأمور إلا أن مجريات الأحداث حملت الدولة إلى النهاية وفق ما برز من علامات الانحدار فيذكر لنا الأجداد هنا كيف تعايشوا مع الفراغ الأمني والعسر الاقتصادي وغلبة الجهل وبدائية العيش وفي السياق ذاته يذكر الأستاذ خالد البسام في كتابه المترجم " القوافل " والذي ينقل فيه إلى العربية يوميات المبشر زويمر في مدن المنطقة التي زارها ضمن فريق الإرسالية الأمريكية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ومن خلال قصص أولئك المبشرين ظهر أن عدداً منهم كان على علم بطبيعة البلاد التي سيزورونها، حيث القبائل المتحاربة في ظلّ سلطنة عثمانية آخذة في التآكل، وتفشي الأميّة، وغياب الرعاية الصحية. وهذا ما يؤكد أن أحوال الناس في أطراف الدولة العثمانية كانت نهشا للظروف الصعبة ومحاولات التبشير رغم أن أبرز ما قدمه العثمانيون الوقوف أمام المد التبشيري وصيانة عقيدة الأمة. والآن بعد التحولات التاريخية في منهجية الفكر العثماني وانتهاج فكر العلمنة وصياغة الدولة وفق محددات العصر الحديث وأنموذجه الغربي وتلكؤ الغرب الأوروبي في قبول تركيا ضمن منظومته كعضو كامل نشاهد يد السيد أردوغان تمتد إلى العرب ويحضر إلى جامعتهم ويزور الدول الثائرة ويتبنى مهام الحماية والدعم للشعوب كما في سوريا وغزة في ظروف عالمية صعبة وأزمات محلية ثورية وجدت فيها تركيا تجديد دور الحارس القديم ورغم تباين الرأي بين القبول والرفض حول الفكرة التركية للمرحلة القادمة والحضور الممنهج لدورها أمام تيارات متنافسة كالجار الفارسي الذي يحمل أجندة مغايرة للمنهج التركي المقبول لدى الغالبية. فالحضور التركي الآن وتواصله مع مؤسساتنا العربية ورموز الحكم العربي محل ترحيب شعبي عارم بين الناس كما يظهر في وسائل الاتصال والإعلام الحديث حيث التمجيد بخطوات أردوغان الذي زار الصومال في محنة جوع أهلها وزار مصر وتونس ومؤخراً ليبيا وربما يزور غزة أو تسبقه سفن الحرية مرة أخرى إلى هناك ومع تذكرنا لحالة التهميش التاريخي لأطراف الدولة العثمانية وسكانها وفق المشاهد والمنقول فهل نعول كثيراً على صيغة تعاونية مع الباب العالي في ثوبه الديمقراطي الجديد وحضوره العالمي كقوة إقليمية ذات علاقات مؤثرة أم أن بين السطور ما لم يقال؟[email protected]