14 سبتمبر 2025
تسجيلكانت الإمبراطورية الصينية من أقدم وأقوى الإمبراطوريات في العالم، تأسست عام 221 ق.م تحت حكم «أُسرة تشين» التي وحدت عدداً من الممالك المتحاربة لتبلغ مساحتها ٢.٥ مليون كم2، وعلى مر العصور أصبحت الإمبراطورية مركزًا ثقافيًا واقتصاديًا، وقوة عسكرية متفوقة تقنيًا، استطاعت توسيع مملكتها وحماية حدودها خاصة في عهد «أُسرة تانغ» التي شهدت فيها الامبراطورية فترات طويلة من الازدهار التجاري والثقافي والأمان الداخلي، استمرت الإمبراطورية في التوسع الإقليمي إلى أن بلغت مساحتها في عهد «اُسرة تشينغ» حوالي 13 مليون كم2، لتشمل المساحة الحالية للجمهورية الصينية بالإضافة إلى منغوليا والتبت وتركستان الشرقية وأجزاء من سيبيريا. ومن الصعود إلى الانهيار في أواخر عهد «أسرة تشينغ» التي حكمت ما بين (1912-1644)م، حيث كان للفساد دور محوري في انهيار الإمبراطورية الصينية. وتجلت صور هذا الفساد اولاً في تآكل النظام البيروقراطي الذي كان يعتمد على امتحانات الخدمة المدنية عند اختيار الكفاءات والمسؤولين الوطنيين، بسبب الرشاوى والمحسوبية في التعيينات فتم تهميش وإقصاء القيادات والكفاءات الوطنية المحلية واستبدالها بقيادات أجنبية، ومسؤولين محليين موالين للأجانب، مما أضعف هذا التهميش الروح الوطنية وفقدان الثقة في الحكومة. ثانياً الاحتكار التجاري بسبب استغلال المسؤولون الفاسدين سلطاتهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، واعتمادهم على العمالة الأجنبية للإصلاحات الداخلية التي كان الغرض منها سد الفجوة التكنولوجية والإدارية بين الصين والقوى الغربية المتقدمة والتي كانت تنجح في بعض الأحيان وأحيانًا تفشل في تنفيذ سياسات غير ملائمة تفاقم من الازمات بدلًا من حلها. ترتب على عامل الفساد تراجع الاقتصاد وتزايد الفقر نتيجة لاستنزاف موارد الدولة الذي تمثل في الأجور المرتفعة للأجانب، أو تحويلها في جيوب المسؤولين الفاسدين بدلًا من استخدامها في تحسين البنية التحتية، وتدهورت الصناعة الصينية التقليدية بسبب الاعتماد على البضائع الغربية، بالإضافة إلى الضرائب التي فُرِضت عليها، والتي أضعفتها في جمع الإيرادات وإدارة شؤونها المالية. ضعف الحكومة المركزية وتفتت السلطة وتآكل قدرة الإمبراطورية على حكم الأقاليم بفاعلية بسبب التدخل العسكري والسياسي الخارجي في شؤونها الداخلية، حيث استغلت فساد الحكومة المعينة من قبلها والتأثير في قراراتها وفرض معاهدات غير عادلة عليها، مثل معاهدة «تيانجين» عام 1858 التي أجبرتها على فتح موانئها للتجارة، ومنحت القوى الأجنبية حقوقا للعمل دون قيود للإشراف على الجمارك والضرائب لضمان سداد الديون بعد هزيمتها في الحروب الأفيونية، وتقديم تنازلات إقليمية افقدتها سيادتها على أجزاء من أراضيها مثل تايوان وجزر بيسكادورز لليابان وأجزاء كبيرة من أراضيها المحيطة مما قلص حجم مساحتها لتبلغ اليوم حوالي 9.6 مليون كم2. قيام التمردات والثورات، بسبب سخط الفلاحين والجنود والطبقات الدنيا مثل ثورة «التايبينغ» وثورة «الملاكمين» (1850-1864م) التي اضعفت الإمبراطورية بشكل كبير مما أدى إلى سقوط أسرة «تشينغ» عام 1911م وإعلان الجمهورية الصينية عام 1912م. وبذلك انتهت آلاف السنين من الحكم الإمبراطوري لتُظهر هذه الحالة كيف يمكن للفساد الإداري أن يقوض حتى أقوى الإمبراطوريات، فعندما يصبح الفساد مؤسسيًا وينتشر في كل مستويات الحكومة يؤدي إلى تآكل السلطة والثقة في القيادة، ويضعف قدرة الدولة على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية.