12 سبتمبر 2025
تسجيلفي ذكرى مجازر يوم 14 أغسطس 2013 وما بعده التي ارتكبها عسكر السيسي في مصر ضد الشرعية وأنصارها، وما ترتب على ذلك من إرهاق لمصر وتخريب لانسجامها الوطني.. أود أن أتناول هذا الحدث الكبير والمؤسف من زاوية موقف بعض القيادات الدينية ورموز الفتوى الذين أيدوا ما جرى وما ساقوه أو يسوقونه من حجج على أحقية تأييد غدر السيسي ومباركة جرائمه. وفي البدء لابد من التنويه إلى أن السيسي وأشباهه ونظائره من أفاكي هذا الزمان لم يختلفوا عن كل المستبدين عبر كل التاريخ، فهم يرفعون شعار الدين ويستعملون سطوته وأثره على الضمائر لصبغ توجهاتهم وآرائهم ودعاياتهم اللادينية به. ذلك أن الإسلام هو أحد أهم المكونات والمؤثرات الوطنية والسياسية والثقافية لمجتمعاتنا.. وهذا المؤشر بقدر ما هو دليل على جدارة وصدارة الدين وتعلقه بحياة مجتمعاتنا وتأثيره فيها هو أيضا امتهان للدين وانتقاص لقداسته وفتنة للناس عن أحكامه ووصم له بالتناقض لتصدق عليه مقولة (الدين أفيون الشعوب)، خاصة عندما تتجاوز الفتاوى الجانب النظري من الموقف تجاه فريق أو طائفة إلى الإفتاء باستباحة دمائها وأموالها وأعراضها في مصادمة جلية ومباشرة لمنطق الدين ونصوصه ومقاصده الأصلية. لنعد لأصل القضية ولندقق النظر في مواقف أولئك العلماء ومشاهير الوعظ الديني الذين امتطاهم السيسي أو تمنطق بهم للعدوان على الشرعية وأهلها ولا يزال.. فقد ساقوا لموقفهم جملة من الأقوال والنقولات الأصولية والفرعية مختصرها في ثلاث (إن مرسي لم تنعقد له بيعة صحيحة، وأنه سفيه محجور عليه ولا ولاية لمحجور عليه، وأن أنصار الشرعية خوارج بغاة تجب مقاتلتهم) وأقول: أما أن مرسي لم تنعقد له بيعة؛ فهذا كذب وافتراء وبهتان لم يقل به حتى السيسي نفسه، وقد كانت خمسة استحقاقات انتخابية دستورية شعبية وليس واحدا (هي انتخاب الرئيس ذاته ثم الاقتراع على تقديم الانتخابات البرلمانية على وضع الدستور، وانتخاب مجلس الشعب، وانتخاب الشورى، ثم الاقتراع على الدستور نفسه)، فإن لم تعط كل هذه الانتخابات والاقتراعات شرعية لمرسي فهل عليه أن يأخذها من انقلاب كانقلاب السيسي، ومن دعم كدعم آشتون وإسرائيل وأمريكا ؟ وإذا أخذت شعوب العالم بهذا المنطق فهل يبقى نظام في الدنيا كلها شرعيا؟ وأما أنه لا ولاية لمرسي لأنه محجور عليه؛ فهذه أكذب وأخطر فرية وإن استندت لقاعدة شرعية صحيحة.. والسؤال: هل قضى بهذا الحجر قضاء - شامخ أو حتى وضيع - ووفق بيانات طبية معتبرة؛ أم أن رئيس الانقلاب هو من قرر ذلك وقام باعتقاله اعتقالا قسريا غير دستوري ولا قضائي؟ وهل يمكن حينئذ أن ينبني على هذا القرار الانقلابي صحة حجر ثم ترتيب فقدان أحقية الرئيس عليها؟ أليست هذه صنعة غدر يستطيعها كل وزير دفاع ضد كل رئيس وكل ملك وكل زعيم وفي كل وقت؟ أليس لو سمح بذلك لما استقر وال في ولاية أو حاكم في حكم؟ أليس يصح ذلك في الزعيم الأول والثاني وفي كل زعيم وفي كل يوم وساعة؟ فهل يقول بهذا عاقل فضلا عن أن يقول به عالم؟ وأما أن أنصار الشرعية بغاة وخوارج فهذه فوق أنها جهل بالفرق بين الخوارج والبغاة، فهي مضحكة من المضحكات! وإذا كان أنصار الشرعية خوارج فماذا يكون أنصار الانقلاب؟ وإذا جاز قتلهم بذلك فمتى تقف الدماء؟ وإذا أخذ المسلمون بهذا القول الفرية ثم اعتدي على الشرعية؛ فمن ينصرها إذن؟ أليس ذلك هو الخذلان والذل والصغار؟ فأين منه قول الله تعالى (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)؟ وأين منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره"؟، وأين منه مئات النصوص ذات نفس الدلالة الواضحة المحكمة وعلى ذات المعنى؟ آخر القول: كما في كل الشعوب يوجد في المصريين من يؤيد الطاغية من المارقين دينيا الشائهين وطنيا الذين يرضون بالفتات، ويدورون على كل الموائد.. ولكن الذي تجب مقاومته وفضحه ورفضه هو أن يدور مع الطاغوت وأن يهرف معه قوم يدّعون العلم الشرعي والدين المنصص؛ فتلك هي الجريمة الدينية والسياسية!