26 أكتوبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الشعب العراقي قد يتحمل العنت والفقر والجوع ويقدم التضحيات تلو التضحيات من أجل حلم عظيم ومشروع نهضوي كبير يؤمن له ولأجياله حياة طيبة كريمة، ولكنه لايقبل أن يتاجر بأحلامه أو يغرر بالوعود ولا يقبل أن يستغفل وينهب من أجل قلة قليلة مترفة استأثرت بكل شيء وتركت له الفتات والحر والعذاب والظلام، وألقت به في دروب النزوح والهجرة والضياع دون أن يرف لها جفن أو ينشغل لها بال ثم ألقت به في أتون الطائفية والمذهبية والإثنية وعرضته مع قوى أخرى خارجية وداخلية إرهابية للقتل والتصفية فلم تعد فيما يبدو هذه القوى تقبل بالعراقيين أحياء ولكنها باتت تريد العراق بعد أن دمرته ونهبت خيراته خاليا من أهله وأصحابه الذين كانوا قد حرروه وبنوه بالدم والعرق والدموع لتتسلمه خالياً إلا من بعض الزبانية والجلادين الذين يقومون على خدمة مشروعها الظلامي التخريبي في العراق. هناك في علم النفس لحظة تسمى بلحظة الاستجابة الحرجة the moment of critical response يواجه فيها الشعب ظلامه فعندما يعجز النظام عن تلبية أدنى حاجات المواطن وتنقلب المعايير والمسميات والقيم والأشياء رأسا على عقب فينصب الأشخاص عوضا عن المؤسسات وتصبح المناصب غاية في ذاتها يقصد مديرها ولا تقصد وعندما يكون الرجل الفاشل في المكان الأهم تتراكم المشاكل ولا تحل، فالساسة العراقيون اليوم كما وصفهم أحد الكتاب "يجيدون صناعة المشاكل ونصفهم لا يريد أن يكون ناجحا، والنصف الثاني يريد أن يفشل الناجح "يعادي بعضهم بعضا ولا يتعاونون على البر والتقوى وإنما على الإثم والعدوان فهم لا ينظرون إلى الفكرة بل إلى من طرحها ويجهلون فقه الأولويات والمآلات ويقدمون مبادرات متضادة لا مبادرات متفاعلة ديدنهم العناد السياسي لا التنافس من أجل العراق وكلهم إلا من رحم ربي اجتهد في تقزيم حقوق الناس وتغويل حقوقه وأعلى من شأن الجهة أو الطائفة أو العرق على حساب الوطن فساد فقه المحاصصة على حساب فقه التوافق وفقه الاستحواذ والإقصاء على فقه الشراكة وساد فقه الجهوية على حساب الوطنية وتعطلت القوانين أو عطلت وأصبح الدستور حبرا على ورق ونزعت من ديباجته كل المعاني الجميلة والقيم النبيلة التي عبقت من سطوره فأين ما جرى في العراق من 2005 وإلى الآن من دستوره وأين المعاني السامية التي تضمنتها سطور الديباجة القائلة "فسعينا يداً بيد، وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل من دون نعرة طائفية ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز ولا إقصاء" ألم يجر علنا اختراق الدستور الذي نص في مادته السابعة على حظر الطائفية والعنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي فعملت الحكومات العراقية المتعاقبة وخاصة في عهد نوري المالكي السلطوي الدموي من خلال ميليشيات خاصة ثم الآن من خلال ميليشيات الحشد الشعبي التي دشنت شأنها شأن السفاح بشار الأسد سياسة البراميل المتفجرة والأرض المحروقة في الفلوجة والرمادي وباقي الأنبار، فقتل المدنيون قتلا عشوائيا ومنع أهل بغداد من العودة إلى مساكنهم، وإني لمندهش أيما اندهاش من أولئك السياسيين العراقيين الذين يزعمون أن حيدر العبادي قد تخطى الدستور وتجاوز القانون بحزمة إصلاحاته ومن بينها إقالة نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء ..إلخ.. والسؤال هو: هل احترمت الحكومات العراقية المتعاقبة القانون والدستور؟ ألم يتعرض المواطن العراقي لكافة أشكال وصور الحرمان، والإقصاء، والاستلاب، والتهميش، وألم تتفكك المؤسسات السياسية والقانونية والأمنية والاجتماعية والثقافية قسريا لتصبح بيد النخب التي عملت ضد العراق والعراقيين ولصالح قوى أجنبية طامعة. فشرعية الانتخاب لا تلغي شرعية الإنجاز فوصول الأحزاب إلى الحكم من خلال الصناديق لا يخول لها تجاوز القانون والدستور فإذا جرى هذا التجاوز فإن من حق الجماهير وقد وصلت إلى لحظة الاستجابة الحرجة أن تنتفض في وجه قاتليها وسارقي ثرواتها فينفجر بركان غضبها لتصل إلى نقطة التحول The Tipping Point فليس لديها ما تخسره وقد اتضحت لها مؤامرة قتل العراقيين والانتقام منهم وضم العراق أو ضم جزء كبير منه إلى إيران وتقسيم ما تبقى منه في شرق أوسط جديد فسيفسائي التكوين باستخدام الأعوان في الداخل وداعش في الخارج ولعل هذا من بين ما قصده رئيس الأركان الأمريكي راي أوديرنو الذي اعتبر تقسيم العراق حلا وحيدا ممكنا ومتاحا وهو ما قاله جو بايدن وقالته أصوات أمريكية عديدة من قبل. خروج مئات الآلاف من العراقيين الجمعة الماضية لمواصلة انتفاضاتهم السلمية في العديد من المحافظات، معلنين تأييدهم لما اتخذه رئيس الوزراء حيدر العبادي من قرارات إصلاحية، ومطالبينه بتشكيل حكومة تكنوقراط يعد نقطة تحول أوصلهم إليها ركام طويل من السنين العجاف التي أكلت الأخضر واليابس وهي نقطة لا رجوع عنها ولا رجعة فيها إلى الوراء وصار على العبادي أن يختار بين الجماهير وبين النخب بين الشرعية الانتخابية والشرعية الثورية فالحكم في أي بلد في العالم لا يستقر بشرعية الانتخاب وإنما يستقر بشرعية الإنجاز وشرعية العدل والأمن والأمان والتوزيع العادل للثروات وهذا كله مفقود فعندما لا يجد المواطن قوت يومه ولا الأمن والأمان، وإنما موت زؤام ينتظره من حيث يدري ولا يدري فأنى له السكوت وقد بدا له أنه لن يخسر أكثر مما خسر وكيف يسكت المواطن وهو يرى بأم عينيه هذا الكم الهائل من الفساد، فثمة نواب تحولوا إلى مقاولين ووسطاء وآلاف المشاريع الوهمية يقبض ثمن إنجازها على الورق عدة أفراد ومحاسيبهم وكيف يسكت المواطن و "ثلاثة وزراء وتسعة مدراء عامين و779 من أفراد عائلات وأقارب مسؤولين في الحكومة والبرلمان نهبوا عشرين مليارا من الدولارات بينما 25 % من العراقيين تحت خط الفقر و16% من أهل العراق نزحوا مكرهين إلى دول الجوار وإلى دول العالم طالبين النجاة، والثلاثون مليونا الباقون لا يجدون الماء ولا الكهرباء ولا الدواء في بلد لديه أكبر احتياطي نفط في العالم. العبادي قال "إنه يستطيع فقط تحقيق المطالب الواقعية" بينما تصر الجماهير التي خرجت بمئات الآلاف متجاوزة الطائفية والحزبية ـ بل ومنددة بهما ـ على تقديم كافة الفاسدين والحرامية كبيرهم قبل صغيرهم إلى القضاء النزيه لا القضاء الفاسد الحالي ورحيل السياسيين مزدوجي الجنسية الذين جاءوا العراق على ظهور الدبابات الأمريكية وهم الذين هجروه سنين طوال. حيدر العبادي اليوم أمام ثلاثة خيارات لا رابع لها.. فإما أن ينحاز للشعب وثورته ويقاوم الفساد والفاسدين معتمدا على الله ثم على الشرعية الثورية، فالشعب وفقا للدستور مصدر السلطات جميعها وإما أن يقول لهم بصراحة إنه عاجز عن مواجهة الدولة العميقة ومجموعات المصالح والأعوان، ومن خلفهم إيران التي قال بعض مسؤوليها "إن جهات غير مسلمة تدعم المظاهرات بينما وصفتها وسائل إعلام مقربة من طهران بأنها علمانية على طريقة: أنت معي إذن أنت قديس وأنت ضدي فأنت إبليس ـ فمن شأن هذه المصارحة أن تعطيه التفويض والدعم الشعبي الذي يمكنه من التصدي للدولة العميقة ومن معها.. وإما أن يجبن ويتراجع ويكتفي بإقالة عدة مسؤولين من مناصبهم، أو حرمان آخرين من نصف قوة الحماية، أو تقديم بعضهم الآخر للمحاكمة حفظا لماء وجهه مؤثرا السلامة ومنحازا إلى الاستحقاقات الطائفية والبراجماتية الأخرى. وإذا كان العبادي كما يبدو حتى الآن مترددا في حسم أمره، ويقول "إنه لن يستطيع أن يذهب بعيدا في الإصلاح لأنه محاصر بإمبراطورية نافذة أساسها الفساد والطائفية" فإن الشعب العراقي قد حسم أمره بكل مكوناته مشاركا في الثورة ومصرا على مطالبه التي قد تتطور إلى حد إقالة العبادي وحكومته وحل البرلمان و... إلخ.. وفي هذه الحال سيخسر العبادي كل شيء وستتواصل ثورة الشعب العراقي ولن يكون في مقدور أحد إيقافها أو وأدها وإذا كان المالكي قد نجح في وأد الانتفاضة العراقية في 25 فبراير 2011، وانتفاضة الأنبار في 25 ديسمبر 2012 ومن لحق بها بسلسلة من الإعدامات والانفجارات والاغتيالات التي نفذتها ميليشياته وفرق الموت التابعة له فلن ينجح أحد اليوم في القضاء على ثورة شعب أراد الحياة.