16 سبتمبر 2025
تسجيللقد شاركت وسائل الإعلام العربية مشاركة فعالة – مع الأسف - في تأييد العدوان الصهيوني على غزة بطرق مكشوفة لصالح العدو الذي نسف البيوت على أهلها وهدم المساجد وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وسفك الأرواح، فذهب آلاف الشهداء بدم بارد. والأدهى والأمر في هذا الإعلام أنه كان يتعامل مع الحدث بشكل متناقض، فتارة يترحم على الفلسطينيين تحت مسمى (قتلى) وليس (شهداء)، وهذا التناقض في وصف الشهداء جعل بعض الفضائيات العربية تصف المقاومة الفلسطينية بالحركة الإرهابية، وكأننا نشاهد فضائيات صهيونية أو أمريكية إن صح التعبير. يقول د.سلمان فهد العودة: الحرب ذات أهمية للمجتمع الإسرائيلي ذي النسيج المفكك غير المتلاحم، فلا نجاة لهم مع وجود سلام حقيقي، وهذا ينسجم مع الخبر القرآني الصادق عنهم: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (64) سورة المائدة، الحرب أو التهديد بالحرب هو الشيء الوحيد الذي يبقي على المجتمع الإسرائيلي متلاحماً في مواجهة العدو المشترك.على الجانب الآخر، كان الإعلام الأمريكي كعادته في الحروب الإسرائيلية مع الفلسطينيين يطبل لإسرائيل وكأنها هي الضحية وأن الفلسطيني هو المجرم والإرهابي الذي يجب قتله والتخلص منه من أجل بقاء إسرائيل في هذا الوجود، ويكرر في أخباره اليومية أن فلسطين هي أرض للإسرائيليين إبا عن جد وأن الفلسطينيين هم الدخلاء. ** وقاحة إعلامية: انظروا إلى الوقاحة الإعلامية الأمريكية التي ما بعدها وقاحة في إعلامهم الكاذب الذي يخدم أحد الأطراف في هذه الحروب ضد الطرف الآخر، وهو بالطبع لا يخدم العمل المهني في الإعلام ولا رسالته المنوطة به، فأمريكا والدول الغربية دائما ما تشير في إعلامها إلى أن العرب لا يمتلكون أية حرية إعلامية، ولا يعلم هؤلاء أنهم أول من علمنا أساليب الكذب والمراوغة في الإعلام من خلال تضليل الرأي العام والضحك على الذقون، نعم هذا هو الإعلام الأمريكي الكذاب، وهو نفس الإعلام البريطاني والأوروبي والروسي، وجميعهم عودونا على الألاعيب والأخبار المفبركة التي تخدم الصهاينة على حساب الأمانة في رسالة الإعلام. ولقد أظهرت لنا هذه الحرب غير العادلة أن أوروبا وأمريكا وغيرها من دول أعداء السلام أصبحت مناصرة للجلاد على حساب الضحية، وهو ما يمثل ازدواجية واضحة في القرار السياسي المسيس والممنهج لصالح المستعمر، دون اعتبار لأصحاب الشرعية.ومن أكاذيب الإعلام الغربي إبان العدوان البربري على غزة الصامدة، أنه يتحدث عن عدم وجود أزمة مالية أو اقتصادية تعيشها إسرائيل خلال هذه الحرب، ويخفي الحقائق والأرقام المخيفة والفاضحة عن تكبد العدو مليارات الدولارات من الخسائر في اقتصاده القومي، ومن ذلك تكبد البورصة الإسرائيلية بعض هذه المليارات، والعمل على عدم نشر هذه الإحصائيات للرأي العام الإسرائيلي؛ لكي لا يصاب بالإحباط والهزيمة ويتأزم نفسيا، فيكفي أنه قد هزم عسكريا قبل الهزيمة الاقتصادية، فشعب إسرائيل مصاب بالانكسار ويعيش أزمة حقيقية لم يعشها من قبل!وإذا كنا نلوم الإعلام العربي بسبب تعاطفه مع إسرائيل في العدوان على غزة، فإن الإعلام الآخر كان مشاركا أيضا في هذا العدوان، لأن اللوبي الصهيوني يشتغل بشكل صحيح لخدمة قضيته من خلال تصوير المجرم بأنه هو الضحية، بينما تحول الضحية في نظر هذا الإعلام إلى الجزار والمجرم والإرهابي وكل الصفات السيئة التي ألصقت به، وسبحان مغير الأحوال. فهذه الحرب الإعلامية الدولية المدروسة التي تشن ضد المقاومة الفلسطينية تأتي من باب تبرير العدوان الهمجي على غزة، مستخدمين فيها الشائعات والدعاية والحرب النفسية والتضليل الإعلامي بشتى صوره، وهي تذكرنا بالتعبئة الإعلامية والخطاب الهتلري النازي، اعتقادا منها أنها تستطيع أن تغطي على جرائم الإبادة ضد أشقائنا في غزة. والأمر الملفت للنظر كما ذكرت بعض وسائل الإعلام المحايدة:إن وسائل الإعلام العربية والأجنبية تجنبت في تقاريرها اليومية من التأكيد على أثير صواريخ المقاومة الفلسطينية المتطورة وعملياتها النوعية التي مست هيبة جيش الاحتلال الصهيوني ومعنوياته، والذي بدأ في حالة من الفزع والرعب من هذه المقاومة الشرسة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ذلك الهروب والخوف من الأسر وخشية التقدم البري، والرعب إلى حد التبول والتبرز على الذات من الأنفاق، وعدم الخروج من العربات المدرعة والمصفحة خوفاً من الأسر، وهذا دفع بالعديد من جنود الاحتلال إلى إطلاق النار على أرجلهم لكي لا يذهبوا إلى جبهة الحرب، وكذلك فصيل كامل من لواء جولاني تمرد على أوامر الالتحاق بالجبهة والمشاركة في الحرب على غزة. ** رأي عربي ورأي غربي: يقول الكاتب عبدالعالي رزاقي:يتساءل جان نويل كابفيرير في كتابه (الشائعات) قائلا: "هل يمكن الادعاء بأن أي تداول شفوي للأخبار يعد إشاعة؟"، ويجيب قائلا: " الإشاعة تقوم على عملية ضرب الأهمية في الالتباس، وهو ما تقوم به "الدولة اليهودية"، فالإقناع ببشاعة القتل الجماعي والتدمير الشامل يحتاجان إلى الالتباس والغموض، وذلك بالادعاء أنها تتصدى لـ"صواريخ المقاومة وأنفاقها"، زاعمة أن حماس لم تلتزم بـ"الهدنة الإنسانية" التي أقرتها الأمم المتحدة، مستندة إلى الدعم الأمريكي في الممارسة العلنية لجرائمها، خاصة أنها تحظى - في الوقت نفسه - بالرعاية المالية من الكونجرس بسبب التضليل الإعلامي لحكومة باراك أوباما. ويعالج كتاب "الأكاذيب الرسمية: كيف تضللننا واشنطن؟ "للأمريكيين جيمس بينيت وتوماس ديلو رينزو، "إن الفظائع التي ارتكبها سادة الدعاية تخفي ممارستها على نطاق واسع في الولايات المتحدة وغيرها".ويضيف: يستند العدوان على غزة إلى معلومات تضليلية تفيد أنه يستهدف الأنفاق وصواريخ المقاومة الموجودة خارج غزة، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فقد طال الشعب الفلسطيني ومساكنه وإدارته، وحتى أماكن عبادته (هدمت أكثر من 75 مدرسة و120 مسجدا و8 مستشفيات وأغلب المساكن)، وخلال 29 يوما من الإبادة والتدمير استشهد ما يقرب من 2000 شهيد وجرح أكثر من 10 آلاف منهم 85% من الأطفال والنساء والشيوخ، وشرد ما يقرب من نصف مليون، وحتى الهيئات الدولية التي لجأ إليها الفلسطينيون لم تنج هي أيضا من القصف ولم يحرك أحد ساكنا، وكأن الفلسطينيين قدموا من كوكب آخر ومطلوب من الصهاينة إبادتهم ومحوهم من خريطة وطنهم الأصلي فلسطين، والأغرب أن يجتمع مجلس الأمن ليعلن أن ما تقوم به الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "قد يشكل جريمة حرب"، بينما يعتبر ما تقوم به إسرائيل مجرد دفاعا عن النفس بالرغم من أنها تصر أنها دولة يهودية دينية مثل داعش ويحتفل مواطنوها بقتل الفلسطينيين. ماذا لو يعود هتلر من قبره ويعيد كتابة مذكراته "كفاحي" لا شك أنه سيقول: إن ما نسب إليه من جريمة فيما يسمى بـ"الهولوكوست" لا يمثل إلا 10% مما يفعله يهود اليوم بغزة ؟ . ويتحدث الصحفي البريطاني الشهير والشجاع روبرت فيسك في مقال نشرته له صحيفة "الإندبندنت" بتاريخ 1/8/2014 م قائلا: كان هناك وقت خالط فيه سياسيينا ووسائل إعلامنا الرئيسية (في الغرب) خوف مبدئي عندما يتعلق الأمر بتغطية حروب الشرق الأوسط: أنه لا ينبغي أن يصفهم أحد أبداً بأنهم معادون للسامية. كانت هذه التهمة شديدة الأذى والشراسة ضد أي ناقد صادق لإسرائيل، حتى أن مجرد الهمس بعبارة "غير متناسب" - كما هو الحال في أي مقارنة عادية في زمن الحرب بين الوفيات العربية والإسرائيلية - كان يستدعي توجيه اتهامات للمرء بالنازية من جهة أنصار إسرائيل المفترضين. وكان التعاطف مع الفلسطينيين يجعلك تنال لقب "مؤيد للفلسطينيين"، والذي يعني، بطبيعة الحال، "المؤيد للإرهاب". ** وبعد: فالإعلام الأوروبي والأمريكي والروسي والصهيوني يتكاتف في هذه الأيام بهدف تضليل الرأي العام العالمي تحت شعار "اكذب حتى يصدقك الناس، فإن صدقوك فأنت صادق وغيرك هو الكاذب !". وقد قالت قبل أيام صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن هناك علامات على وجود أزمة ثقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أشار الرئيس الأميركي الأسبق (جيمي كارتر) إلى أن بلاده عليها أن تعترف بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" كلاعب سياسي وشرعي. وختاما يبقى الدور الكبير الذي يقع على وسائل الإعلام العربية من خلال مواجهة التحدّيات خلال الأزمة الأخيرة لمسايرة التغيير الذي يعيشه العالم المعاصر من خلال العديد من التحوّلات، ومن ثم تغيير نمط وأسلوب تغطية القضايا العربي بالأساليب التي تعتمدها حاليا في التغطية الإعلامية، والتي يشوبها الكثير من السلبيات، حتى تصل إلى مستوى طموحاتنا، وهو بلا شك سوف يساهم في رفع معنويات المشاهدين العرب. ** كلمة أخيرة :قالوا: (يمكنك أن تكذب بعض الوقت على كل الناس، وكل الوقت على بعض الناس، لكن لا يمكنك أن تكذب كل الوقت على كل الناس ).