18 سبتمبر 2025
تسجيلفي حين كان العالم العربي بل وعموم الإنسانية تعيش حالة الغبن لما آلت إليه الأوضاع في مصر منذ صبيحة يوم الأربعاء الماضي بشكل تداخلت فيه المواقف وتباينت فيه الآراء في فرز مخيف لوحدة الأمة مابين مؤيد لإخوان مصر بحكم الشرعية المكتسبة لهم وبين مناهض للجماعة في اعتصامات الميادين العامة وفي عموم فكرها وتاريخها وحقوق أفرادها. عموماً في هذا الخضم المخيف الملون بالدم والبارود الذي أدمى المقل وأضاف نزيفاً لجراح الأمة كانت القلوب تُدك بخبر يزيد الحزن حزناً والألم إيلاماً بفقد رجل كان بحجم أمة في حضوره وعطائه. ذلك هو الدكتور عبدالرحمن السميط الذي ودعته الأمة إلى مثواه الأخير يوم الجمعة الماضي في مشهد مهيب بعد صراع المرض الطويل الذي لازمه يرحمه الله. فأنا لا أعرف الرجل عن قرب سوى انه قد جمعتني الصدفة في العاصمة السنغالية دكار بأحد الأخوة ممن طالته مشاريع الدكتور السميط الواسعة هناك. فقد كان السنغالي محمد وهو من أحد القبائل الإفريقية المسلمة قد تخطفته جهود التنصير في القارة السمراء وكاد أن يفقد دينه بسبب العوز والحاجة التي تعم غالبية الناس هناك وظل الرجل يعيش في داخله معترك الفطرة والإيمان بدين الحق وأيادي الحنو التنصيري النشط في بداية الثمانينات سوى أن جهود فقيد الأمة الدكتور السميط كانت واعية للتعامل مع تلك الحالات بحرفية عالية لتنتشل هذا الشاب مثل غيره من حياض التنصير بالعودة إلى فطرته ودين قبيلته بقليل من العطاء الذي وفر له العيش الكريم فغدا بجهود مؤسسة (العون المباشر) سائقاً لسيارة أجرة يوفر لنفسه وأسرته ما يسد الحاجة دون أن يمضي هكذا تائهاً. كان هذا السنغالي يفرح بلقاء العرب ويعد أحدهم عندما يزور بلاده في أقاصي القارة السمراء شريكاً لتلك الجهود التي عادت ببوصلة فكره إلى دين الحق بل كان يتحدث عن الدكتور السميط بمحبة وكأنه أب له نال منه كل الرعاية والعطاء منذ طفولته فيذكر أن أسرته عموماً طالها خير وفير في قريتهم النائية حيث بني المسجد ودعمت الأسر لتحسين بيوتها وحفرت لهم أبار المياه. كانت تلك صورة تذكرتها وأنا أسمع بنبأ وفاة الداعية الكبير الدكتور السميط وكم هو جميل أن تكون معرفتي الأولى بالدكتور السميط من خلال هذه الصورة الحية التي لمستها في حديث سائق سيارة الأجرة السنغالي. كان ذلك في العام 2006م عندما كنت ازور السنغال في مهمة عمل وصادف أن التقيت هناك بعدد من الأخوة العرب ممن ذهبوا للصيد في مناطق تلك الدول الوفيرة بخيرات الطبيعة وأنعامها. سوى أن الدكتور السميط والعاملين معه في المؤسسات الخيرة كانوا يحضرون إلى تلك الديار الصعبة في بعض ظروفها وإمكاناتها لغرض صيد آخر للأجر والحسنات في توفير الدعم والرعاية للمحتاجين هناك بدافع الأخوة والإنسانية وبذل أسباب العمل لدينهم وعقيدتهم فقد كان الدكتور السميط رائداً في العمل الخيري التطوعي فلم تؤدلج أفكارهم وأعمالهم لهدف أو سياسة سوى العطاء للإنسانية لوجه الله وحده وكانت لجهودهم نتائج ملموسة وانتشلت الكثيرين من الفقر والعوز والحاجة والانحراف عن دينهم وعقيدتهم بل امتدت تلك الأيادي نحو غير المسلمين ممن وجدوا في تلك الجهود ملاذاً لهم من الفقر والتخبط العقدي إلى فسحة من الخير والنور وأعرف أن أعمال السميط رحمه الله لم تكن تميز بين أحد دون الأخر بل تقدم الدعم وتدعو إلى دين الله بالحسنى والمنجزات الملموسة دون البحث عن السمعة والمكتسبات. رحم الله الدكتور السميط فقد كانت وفاته في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الرموز المعطاءة التي تحفز فينا قيم الأمة وصواب المنهج في الفكر والعمل فقد أحبطتنا صور التناحر والتعاطي البغيض وأدمتنا شهوة الكراسي. رحم الله الدكتور السميط فقد كان قدوة لجهود ننتظر بروزها بعده.