06 أكتوبر 2025
تسجيليتجلى الليل كأروع ما خلق الله وكأجمل الصور الشاعرية في الأدب العربي منذ نشأة الأدب وحتى عصرنا هذا، فالليل في الأدب العربي كان وما زال محور الحركة والحياة والإلهام وصورة مشرقة رغم ظلمته في الشعر العربي، وقد صادق الشاعر والكاتب العربي الليل وأخلص له في كل ما كتب، حيث كان حاضرا دوما في السطور والكلمات، فالليل كان تارة هو رمز الخير وتارة أخرى رمز الشر. وكان أحيانا هو الصديق والرفيق والأنيس وأحيانا أخرى هو الغادر المؤلم والقاتل. ربما كان الليل يغري الكاتب بصمته وهدوئه للإنصات والتفكر والبكاء أو الشوق والحنين والانتظار. الليل هو السكون والجمال والهيبة والخوف والبرد والدفء، لهذا أخذ الليل مساحة شاسعة في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. توقف الشاعر طويلا أمام هذه الظاهرة الطبيعية التي استطاعت أن تتجلى بوضوح وبقوة في كل تعابيره وإحساسه وقصائده، فالشاعر العربي عد الليل جزءا لا يتجزأ من حياته وصديقا ملازما له بدقائقه وثوانيه وكل لحظاته، فمنهم من رأى في الليل فرصة لانهمار الدمع والبكاء على النفس كما يقول أبو فراس الحمداني: إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعا من خلائقه الكبر ومنهم تخيل الليل امتدادا للألم والقلق والحيرة، كالشاعر القيرواني حين قال: يا ليل الصب متى غده. أقيام الساعة موعده ومنهم من رأى الليل هما ثقيلا كالشاعر بشار بن برد حين قال: أضل النهار المستنير طريقه وما لعمود الصبح لا يتوضح وطال عليَّ الليل حتى كأنه بليلين موصول فما يتزحزح وتبقى أجمل صورة لليل في معلقة امرؤ القيس، حيث إن كل الشعراء في العالم العربي لم يستطيعوا حتى الآن أن يأتوا بقيم فنية أقوى لصورة الليل بعد الصور الفنية الرائعة التي أتى بها امرؤ القيس في معلقته الشهيرة والتي يقول في مطلعها: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل حتى يصل إلى وصفه الدقيق لليل وتشبيهه البليغ الساحر حين يقول: وليل كموج البحر أرخى سدوله عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف إعجازا وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل وهذه الأبيات في معلقة امرئ القيس حازت على أكثر اهتمامات النقاد والدارسين والباحثين في الأدب العربي وأسهمت شروحاتهم وأطروحاتهم في كشف الكثير من الأبعاد الجمالية والنفسية في هذه الأبيات التي أمدت بروعتها حتى عصرنا الحاضر وصارت مدرسة للتعبير ورمزا رائعا في الشعر العربي.