02 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا في مواجهة المخاطر

18 أغسطس 2012

ليس هناك من إجماع داخلي في أي دولة على سياسات السلطة فيها. نذكر هنا التباينات الكبيرة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة وما بين الاشتراكيين واليمين في فرنسا. تدخل تركيا في نطاق الدول التي تواجه مشكلة في عدم وجود إجماع على السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية تجاه التطورات في المنطقة. وفي استعراض لخريطة المواقف يقف حزب العدالة والتنمية وحيدا في مقابل معارضة جميع أحزاب المعارضة دون استثناء. وهو وضع غير مسبوق إذ إنه في الحالات التي تمس البلاد عموما كانت العادة تكاتف الجميع أو غالبيتهم لمواجهة الأخطار. لكن اجتماع مختلف التيارات السياسية على انتقاد سياسة حزب العدالة والتنمية في المنطقة سبب إرباكا كبيرا لدى الحكومة وارتباكا في كيفية مواجهتها التحديات الوطنية والقومية. وكان يمكن لتركيا أن تتخذ المواقف التي ترغبها مع بدء الثورات في تونس ومصر واليمن والبحرين. ذلك أن الأمن القومي التركي لم يكن معرضا لأي أخطار بسبب بعد تلك البلدان عن تركيا. لكن الجغرافيا قدر لا يمكن ردّه. لذا عندما بدأت الأزمة في سوريا في منتصف شتاء 2011 كان واضحا أن النار اقتربت من تركيا. وقد حذّر المسؤولون الأتراك في بداية الأزمة من مخاطرها على تركيا. لكن شراع التطورات لم يكن في الاتجاه الذي ترغبه تركيا. وبمعزل عن النوايا والمواقف والمسؤوليات فإن تركيا اليوم أمام مشهد لا يسر من يريد الاستقرار والأمن في تركيا. أولا: لا يخفى تشابه المكونات الاتنية والمذهبية للمجتمع التركي مع تلك التي يتكون منها المجتمع السوري ومجتمعات المنطقة ككل. وإذ تستعر الفتنة الطائفية في سوريا فإنها تنعكس تلقائيا في الداخل التركي حيث إن تركيا رغم حكم العلمانيين على امتداد ثمانين عاما ورغم حكم الإسلاميين منذ عشر سنوات ومشاركتهم في السلطة أكثر من مرة في السابق فلم تنجح في حل المشكلة المذهبية في الداخل التي كانت تطل برأسها بين الحين والآخر وازدادت حدة بعد انفجار الوضع في سوريا. ثانيا: وجدت تركيا نفسها أمام عودة مناخات التسعينيات في العلاقة مع الأكراد وحزب العمال الكردستاني. فما تشهده مناطق متعددة في جنوب شرق تركيا من اشتباكات واسعة بين الجيش ومسلحي حزب العمال الكردستاني تجاوز ما كان قائما في التسعينيات. وللمرة الأولى يتم خطف نائب تركي من حزب الشعب الجمهوري المعارض من جانب "الكردستاني" في تحدّ واضح للدولة التركية وإظهار أن هناك دولة كردية موازية للدولة التركية على الأراضي التركية. ومثل هذه الاشتباكات الواسعة والمتكررة لم تشهدها تركيا منذ أكثر من 12 عاما وهي تنذر بمخاوف إضافية على الأمن القومي التركي. ثالثا: لعل الوضع الكردي المستجد في شمال سوريا سيكون إحدى النتائج السلبية على تركيا من الأزمة السورية. فسواء بقي النظام في سوريا أو حل نظام بديل أو دخلت سوريا في فوضى أو تقسيم فإن الواقع الكردي في شمال سوريا لن يبقى على ما هو عليه وستكون تركيا أمام "جار جديد" كردي سواء اسمه الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حتى الدولة المستقلة. وستكون تركيا أمام طوق كردي بكل معنى الكلمة يمتد من كردستان العراق إلى كردستان سوريا. وسيكون من الصعوبة على تركيا أن تحول دون استكمال "المسار الكردي" الذي بدأ في العراق ويمتد الآن إلى سوريا ولن يستثني جنوب شرق تركيا من تداعياته السلبية. رابعا: توترت علاقات تركيا مع معظم محيطها المباشر وليس خطف مواطن تركي في بيروت قبل أيام ردا على خطف لبنانيين في سوريا سوى مؤشر على تورط تركيا مع المكونات الاجتماعية والسياسية في المنطقة بعدما كانت إلى ما قبل سنتين خلت موضع ترحيب في المنطقة وفي لبنان. بمعزل عن الأسباب فإن تركيا اليوم أمام مشهد سلبي مختلف عما كان عليه قبل اندلاع"الربيع العربي". ومع أن حزب العدالة والتنمية لا يزال يحظى بشعبية تتزايد في الداخل فإن المحصلة على صعيد الأخطار والتهديدات تبقى معيار النجاح أو الفشل لسلطة حزب العدالة والتنمية في بلد بات استقراره في مهب الريح ووحدته موضع تهديد ودوره إلى انحسار بعدما كان مضرب المثل في التواصل مع الجميع.