13 سبتمبر 2025

تسجيل

كل شعوبنا في عصمة الدم والأمن والكرامة سواء

18 أغسطس 2011

 لا يصح لقادة الرأي أن يكون لسان حالهم "معاهم معاهم عليهم عليهم" لا أحد يعتب على النظام الليبي الذي يقتل شعبه فلم يكن المتوقع منه أحسن من هذا وهو لم يخف يوما أنه نظام بين الجاهل والمغرور والمطوح في الخيال كما أنه بخصوص القضية الفلسطينية لم يزعم يوما أنه سيقاتل " إسرائيل " فضلا عن أن يقوم بذلك فعليا.. ولا أحد يعتب على النظام اليمني الذي لا يسمع شعبه ولا يأبه بتعطل البلد فهو أصلا لم يعش يوما أو يحدث نفسه أن يعيش في الحاضر وبالنسبة لفلسطين فبينه وبينها قفار وفيافي وآلاف الأميال فضلا عن عدم مصداقيته في شيء يقوله أبدا.. لكن الذي يؤسف له وكان يعول عليه هو النظام في سوريا لمكانه من فلسطين ومكانته من المقاومة والذي طالما ردد شعارات القومية والثورية والعروبية.. هذا النظام نعرفه ونعرف ما فعل في حماة وفي تدمر وفي لبنان وتل الزعتر ونعلم ما فعل مع الأكراد لكن.. كان الظن أن العهد الجديد سيكون مختلفا وأن بشار ينتمي لجيل الثورة المعرفية والتكنولوجية وأنه يقيم معادلاته على أساس التطوير والتغيير وعندما رأيناه يناصر الشعب الفلسطيني وقع في روعنا أنه لشعبه أكثر محبة ونصرة واحتراما وربما خطر لنا أنه سيعتذر يوما لحماة وقد رأينا بوادر تسامحه مع الإسلاميين.. هي مواقف لا شك مشكورة غير منكورة ولا مكفورة.. وازداد احترامنا له وارتفعت لدينا مكانته لما رأيناه مناقضا ومناكفا للمعسكر الصهيوعربي الذي كان مع العدو يهدم لبنان ويحاصر غزة ويتآمر على الثوابت ويجري في التطبيع والتعاون الاستخباري ويقاطع المقاومة.. لكن.. ما يؤسف له أن هذا النظام راح اليوم يكرر ما فعل هو ذاته في الثمانينيات بل يزيد عليه في دلالة على الرجعية الفكرية والسياسية والحزبية التي تذكرنا بقول من قال (ومن يشابه أبه فما ظلم) وهو اليوم يقتل شعبه في قسوة ولامبالاة غير مسبوقة وهو يكذب على العالم كذبا ساذجا سخيفا لتبرير ما يفعل، أما الأكثر عجبا فهو أن من الكتاب والمثقفين والعروبيين من لا يزال مخدوعا بدعاواه تلك ويبدي استعدادا لتصديق أية مقولة أو رواية يخترعها أو يروجها.. ذلك يلقي ظلال الشك على كل مواقفهم قبل وبعد الآن.. ولست أدري أية قومية أو وطنية أو ثورية تبقى لنظام لا يحترم دماء وكرامة شعبة وأهله وناسه وقديما قالوا (اللي ما فيه خير لأهله ما فيه خير لجيرانه) وأية قومية من دون الوطنية كأساس لها، وأية ثورية من دون احترام معاني الكرامة الإنسانية ورفض الظلم.. هذا كله لم يعد موضع ثقة ولم يعد تقبل فيه دعاوى النظام السوري.. لذلك أجد من الضروري أن أذكر بجملة حقائق أخاطب بها أولا الرأي العام، وثانيا من يوجهونه ويؤثرون فيه من كتاب ومفكرين لا يزالون يدافعون عن جرائم النظام ويظنون أنهم بذلك يفككون مؤامرة على سوريا والحقيقة أنها فقط في عقلهم وخيالهم.. وأقول: 1- إن ذات الأخلاق وذات الإسلام وذات القيم الوطنية التي فرضت مناصرة الشعب الفلسطيني هي ذاتها نفس الأخلاق ونفس الإسلام ونفس القيم التي تفرض اليوم الوقوف مع الشعب السوري والليبي واليمني وأي شعب ينكل به نظامه.. 2- إن إهانة أي شعب هي إهانة لكل الشعوب ولكل القيم والأخلاق المحترمة سواء كان المعتدي حاكما عربيا أم كان احتلالا خارجيا أجنبيا. 3- لا يجوز ولا يقبل من أي حاكم مهما علت رتبته أو دعواه في الوطنية والقومية وفي مواجهة الصهيونية أن يبني رصيدا من ذلك أو أن يستغل رصيده في ذلك لظلم شعبه وقهره ونهبه واتخاذ بلده مزرعة أو إقطاعية له ولورثته وخاصته وطائفته وشبيحته. 4- على كل شريف - مثقف وكاتب ومفكر وإعلامي وسياسي وإسلامي وغير إسلامي - أن يقف مدافعا عن دماء شعوبنا في وجه النظم المستبدة ليكون منسجما مع عقيدته ودينه وأخلاقه ووطنيته.. فكل شعوبنا سواء في عصمة الدم والكرامة والتمتع بالحرية والأمن.. 5- من يدافعون عن هذه النظم ومهما كانت الخلفية الثقافية أو الحزبية التي ينطلقون منها أو يريدون الوصول إليها إنما هم أحد اثنين ؛ إما لهم ارتباطات مشبوهة مع هذه النظم ويظنون أنها باقية ولا يلتفتون للانهيارات الكبيرة في الشرعية والردع التي تعاني منها، أو أنهم مغفلون لا يزالون تنطلي عليهم مقولات النظم التي يتبنون الدفاع عنها.. وفي الحالتين لا ينبغي الانخداع بكلماتهم وتعبيراتهم المركبة على لغة أخلاقية وصياغات تتقمص الوطنية والثورية.. أقول: نعم رأينا العدو الصهيوني يقتل الفلسطينيين ويقصفهم ولسنا نقلل من حجم ولا من خطورة ذلك.. لكننا – للأسف – رأينا في سوريا وليبيا تحديدا أفظع من ذلك.. رأينا قتلا لا كالقتل لا من حيث العدد ولا من حيث الطريقة والتشويه والإهانة ولا من حيث تواصل سفك الدماء! ورأينا شبيحة العدو (المستوطنين والمستعربين) يحرقون المساجد والمصاحف والمزارع إلى غير ذلك مما يعلمه كل أحد لكننا للأسف رأينا في سوريا وفي ليبيا شبيحة النظام وميليشياته وثواره يقومون وبشكل رسمي ومنهجي ومكشوف ومطرد بمهاجمة عموم الناس وبيوتهم ومتاجرهم وشوارعهم وسياراتهم ومساجدهم ومصاحفهم ومشاعرهم الدينية وأعراضهم وتواترت الروايات عن أنهم يبثون عبر مكبرات المساجد الأغاني بدل الأذان.. نعم رأينا مثقفي العدو الصهيوني يناقشون ويحاورون عبر الفضائيات وسمعنا تهجماتهم على محاوريهم وقذاراتهم وقلنا إنهم أساءوا الأدب مع الله أفلا يسيئونه مع الناس.. لكننا رأينا في الفضائيات السورية والليبية من يتهم المعارضة بالفاحشة والشذوذ وينزل في تعبيراته إلى مستوى السوقية القذرة دون مراعاة لمعايير الذوق الأولية.. ورأينا العدو يعتقل الفلسطينيين ويعذبهم جسميا ونفسيا ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والقانونية ويوجد اليوم في سجونه خمسة آلاف وخمسمائة معتقل وثمة مفقودون آخرون ومعتقلون من دون تهم محددة فيما يطلق عليه (الاعتقال الإداري).. لكننا لم نر كما في سوريا عشرات آلاف المعتقلين وعشرات آلاف المفقودين ولم نره يمنع المنظمات الخدمية والحقوقية والرقابية الدولية والمحلية والمحامين من الاطلاع عليهم ومقابلتهم ولم نره يقلع أظافر المعتقلين أو يقتلهم ويشوه أجسادهم أو يدوسهم بالدبابات.. وعلى ذكر الدبابات رأينا الأطفال الفلسطينيين يمتطون دبابات العدو ؛ في حين أن الدبابات السورية وهي الأقل كفاءة وجدناها تسرح وتمرح في ميادين حمص وحماة وشوارع درعا وأحياء دير الزور والقامشلي دون أن يكون أحد حولها سوى من يسمون بالشبيحة المسلحين بالمسدسات والعصي والمدى.. ومن المضحكات المبكيات أن شريط الأنباء في إحدى فضائيات النظام السوري يبكي جريحا فلسطينيا في غزة في الوقت الذي تتناقل الأنباء أن جيشهم المظفر يقصف مخيم الرملة الفلسطيني قرب اللاذقية ويقتل العشرات ويهجر الآلاف من سكانه!! المدافعون عن النظام يرددون وربما عن انخداع مقولتين يكررهما ويدور حولهما (كما يدور الحمار في الرحى) ؛ الأولى: أن المظاهرات مؤامرة خارجية وربما قال صهيونية، والثانية: أن في المتظاهرين مندسين ومسلحين لا بد من مواجهتهم أمنيا.. وأرى أن ألفت هؤلاء بشيء من التوعية والتثقيف.. وأسأل: إذا كان الأعداء الخارجيون - حسب نظرية المؤامرة - يستطيعون إخراج كل هذه المئات الألوف ليتعرضوا للقتل وليكرروا ذات التضحية كل يوم وكل أسبوع وفي كل مدينة وقرية وضيعة ؛ فأين التربية الوطنية، وأين التحصين المعنوي، وأين الوعي العام الذي يتربى عليه الناس منذ عشرات السنين؟ وإذا كان النظام عاجزا عن إقناع هؤلاء ومن وراءهم الملايين بنفسه وبوطنيته وأحقيته مع أنهم ولدوا وترعرعوا في ظله فأي نظام هو هذا النظام؟ وبخصوص المندسين والمسلحين أسأل: هل اعترف أحد من المعتبرين في المعارضة بأنه مارس أو دعا للمواجهة المسلحة؟ وهل رأى أحد أحدا منهم مسلحا داخل المظاهرات؟ أو هل استطاعت كاميرا الحكومة تصويره وهو يطلق النار على قوات الجيش وأنصار الجيش؟ أم أن أقصى ما قدمت لنا وسائل إعلام النظام أنها أتت ببعض النكرات من الناس ليقولوا ما يدعم الرواية الرسمية وعلى طريقة التسميع لطلاب الابتدائية؟ وأسأل أيضا: هل طريقة وحراك الجيش وشبيحته في مواجهة المظاهرات والمسيرات من حيث الشكل والجري في الشوارع هو حراك من يواجه سلاحا يتحرز عنه ويتدارأ منه ؛ أم – وكما رأيناهم - يتنقلون في أريحية وطمأنينة لا تناسب إلا الآمن المطمئن؟ أيضا: لماذا لا تقع تفجيرات أو اعتداءات على المسيرات المؤيدة للنظام التي هي الأولى بالاعتداء لو صح أن المعارضين مسلحون وغير سلميين؟ ثم لماذا لا تتحول ساحات وشوارع دمشق (لا قدر الله) إلى مثل الاثنتي عشرة مدينة في الست محافظات عراقية التي طاولتها انفجارات الاثنين الماضي وقتلت سبعين وجرحت مائة؟ وأخيرا: إذا كان التسلح هو خط المعارضة فلماذا لا تعترف به؟ ولماذا لا تعلن ذلك على الملأ وتطلب الدعوم على أساسه؟ فما قيمة عمليات مسلحة لا تندرج في برنامج سياسي ولا تستثمر فيه؟ اللهم إلا إذا كانت المعارضة معنية بأن تتهم بالتخريب والعبث!! وهذه في الحقيقة غاية وهو المعني بها!! آخر القول: لا يصح ولا يجوز لقادة الرأي والفكر من الكتاب والمثقفين أن يكون لسان حالهم (معاهم معاهم عليهم عليهم)، ولا أن يجمدوا على موقفهم الداعم للنظام السوري أو الليبي أو اليمني بعد الذي رأوه منهم، ولم يعد مقبولا أن يدعي أحدهم نصرة الشعب الفلسطيني بعد اليوم في حين لا يغار على كرامة ودماء وحرية شعبه أو أي شعب آخر.. فكل الشعوب في عصمة الدم والعرض والمال وفي الأمن والكرامة والحرية سواء بسواء..