20 سبتمبر 2025
تسجيلكثرت في الآونة الأخيرة المنازعات التجارية الناجمة عن التأخر والتباطؤ والتراخي في تسديد المستحقات، لعل ذلك التأخر في حالات معينة، قد يكون مبرراً لضعف في السيولة، أما التباطؤ والتراخي، فهو أمر مفتعل يدلل على انتهازية مقيتة، ثم ظهر أسلوب جديد متمماً لذلك الأسلوب الانتهازي، وهو إعادة التفاوض على دفع المستحقات المؤكدة دون وجه حق. ويقوم أولئك باستغلال حاجة المقاول من الباطن، أو مورد السلعة، أو مزود الخدمة للسيولة، فيتم فرض شروط مجحفة تفقد التوازن الاقتصادي للصفقة أو المقاولة، مستغلين بذلك ضعف حال الطرف الآخر، وعدم قدرته على الصبر لحين صدور حكم مبرم قطعي لصالحه، وذلك بسوء استغلال واضح لضمانات التقاضي التي سنها المشرع على ثلاث درجات، أو ارتفاع تكلفة التحكيم. لذا فإننا نرى، أن الوساطة أو التوفيق، هي الوسيلة الأمثل لحل الخلافات التجارية الحقيقية وليست المفتعلة، إذا كان هناك حسن نية، وإننا نجزم بأن كل من يرفض الوساطة والتوفيق لحل نزاع تجاري أو مدني، لا يبتغي العدالة والإنصاف، بل الإجحاف بحقوق الآخرين بالباطل. وإننا نرى أنه على غرفة تجارة قطر، أن تقوم بدور إرشادي وتوعوي وطوعي، بأن تدعو جميع أعضائها، إلى توقيع ميثاق شرف، بتجنب تلك الممارسات التي تتعارض مع أهداف إنشاء الغرفة. ما المقصود بالوساطة أوالتوفيق؟ تعرف الوساطة بأنها إحدى الوسائل البديلة الاختيارية والطوعية، لتسوية المنازعات المدنية والتجارية ضمن إطار ودي، تلك المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بين طرفين أو أكثر، وتتم الاستعانة فيها بطرف ثالث محايد يسمى “الوسيط أو الموفق” للوصول إلى حل مقبول من أطرافه. كما عرف القانون رقم 20 لعام 2021، بشأن الوساطة في تسوية المنازعات المدنية والتجارية، الوساطة (التوفيق) بأنها "وسيلة ودية لتسوية النزاع يتم الالتجاء إليها بالاتفاق بين الأطراف، أو بناءً على طلب من الحكمة". ويرى بعض الفقهاء اختلافاً بين الوساطة والتوفيق، إلا إننا لا نرى اختلافاً جوهرياً، تتسم الوساطة أو التوفيق بعدة خصائص ومزايا تميزها عن غيرها من وسائل حل النزاعات البديلة، وأهم هذه الخصائص والمزايا هي: الطواعية والرضا، السرية والخصوصية، قُصر أمد النزاع وسرعة التنفيذ، المحافظة على العلاقات الودية القائمة، تخفيف العبء الملقى على كاهل المحاكم، ومنع تكدس الدعاوى أمامها، توفير الوقت والجهد والتكلفة العالية على أطراف النزاع. التحكيم والتوفيق قد يتشابه التحكيم والتوفيق باعتبارهما من وسائل حل المنازعات البديلة، إلا أن هناك فروقاً جوهرية عديدة منها: في التوفيق جميع الأطراف رابحون، بينما في التحكيم هناك خاسر ورابح. التحكيم قسري وملزم، أما التوفيق طوعي ورضائي، ويكون دور الموفق محدودا بمساعدة الأطراف على التوصل لحل للنزاع، بينما يصدر المحكم حكماً غير قابل للطعن إلا بالبطلان إن توافرت أسبابه، في المقابل لا يجوز للوسيط إلزام أي طرف أو الأطراف بالتسوية. النية الصادقة وحسن النية إن العامل الحاسم في نجاح الوساطة والتوفيق، هو وجود النية الصادقة، لأطراف النزاع، لحل النزاع ودياً، ووفقاً لمبادئ العدالة والإنصاف، والتعاون بحسن نية في عرض قضيتهم، وأن يتم اختيار الموفق المناسب. الوسيط أو الموفق لضمان نجاح التوفيق، يجب أن يكون الموفق محمود السيرة وحسن السمعة، ومن المشهود لهم بالنزاهة والحياد والخبرة، ومن ذوي الخبرة في التفاوض، ولديه القدرة على تدوير الزوايا الحادة وحل العقد، وفي سبيل ذلك على الموفق أن يركز على نقاط ضعف كل طرف وإبراز نقاط قوة الطرف الآخر، وأن يبرز منافع الصفقة المطروحة لكل طرف، لدفعه طواعية وبرضاء تام للتوجه إلى نقطة الوسط، بحيث يكون جميع الأطراف رابحين. ومن الجدير بالذكر أن نقطة اللقاء أو الوسط ليست على بعد 50:50 إنما قد تكون 10:90 أو أي معدل آخر حسب شرعية مطالبات كل طرف. كما يجب على الموفق قبل مباشرة جهوده ضمان عدم وجود لدد (عداوة) في الخصومة، وإن وجد، أن يسعى لتنقية الأجواء، والحيلولة دون وقوعها، وذلك بتنبيه الطرف المعني بذلك، وعليه أيضاً أن يحدد نوع الخصومة والإجراءات التي يجب إتباعها لإنهاء تلك الخصومة. ختاماً نود أن نؤِكد أن جميع رجال الأعمال، مهما كان اختصاصهم أو حجم أعمالهم هم تجار بحكم القانون، ويجب أن يلتزموا بأخلاق التجار الحميدة، وأن يتذكروا بأن كلمة تاجر كونت من أربعة كلمات، هي: تقي (ت)، أمين (أ)، جريء (ج) ورؤوف (ر)، وأن يقلع كل منهم عن استغلال حاجة أو ضعف حال مقاول من الباطن أو مورد سلعة أو مزود خدمة. محكم دولي